responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 115

الطرف الأول
في نعم اللّه تعالى في خلق أسباب الإدراك

اعلم أن اللّه تعالى خلق النبات،و هو أكمل وجودا من الحجر،و المدر،و الحديد، و النحاس،و سائر الجواهر التي لا تنمى و لا تغذى،فإن النبات خلق فيه قوة بها يجتذب الغذاء إلى نفسه من جهة أصله و عروقه التي في الأرض،و هي له آلات فيها يجتذب الغذاء، و هي العروق الدقيقة التي تراها في كل ورقة،ثم تغلظ أصولها،ثم تتشعب،و لا تزال تستدق و تتشعب إلى عروق شعرية تنبسط في أجزاء الورقة،حتى تغيب عن البصر،إلا أن النبات مع هذا الكمال ناقص،فإنه إذا أعوزه غداء يساق إليه،و يماس أصله،جف و يبس ،و لم يمكنه طلب الغذاء من موضع آخر.فإن الطلب إنما يكون بمعرفة المطلوب، و بالانتقال إليه.و النبات عاجز عن ذلك.فمن نعمة اللّه تعالى عليك،أن خلق لك آلات الإحساس،و آلة الحركة في طلب الغذاء.فانظر إلى ترتيب حكمة اللّه تعالى في خلق الحواس الخمس،التي هي آلة الإدراك.فأولها:حاسة اللمس.و إنما خلقت لك حتى إذا مستك نار محرقة،أو سيف جارح،تحس به فتهرب منه.و هذا أول حس يخلق للحيوان.

و لا يتصور حيوان إلا و يكون له هذا الحس،لأنه إن لم يحس أصلا فليس بحيوان .و أنقص درجات الحس أن يحس بما لا يلاصقه و يماسه.فإن الإحساس بما يبعد منه إحساس أتم لا محالة.

و هذا الحس موجود لكل حيوان،حتى الدودة التي في الطين،فإنها إذا غرز فيها إبرة انقبضت للهرب لا كالنبات.فإن النبات يقطع فلا ينقبض،إذ لا يحس بالقطع.إلا أنك لو لم يخلق لك إلا هذا الحس لكنت ناقصا كالدودة،لا تقدر على طلب الغذاء من حيث يبعد عنك.بل ما يمس بدنك فتحس به فتجذبه إلى نفسك فقط.فافتقرت إلى حس تدرك به ما بعد عنك.فخلق لك الشم .إلا أنك تدرك به الرائحة،و لا تدري أنها جاءت من أي ناحية.فتحتاج إلى أن تطوف كثيرا من الجوانب،فربما تعثر على الغذاء الذي شممت ريحه،و ربما لم تعثر فتكون في غاية النقصان لو لم يخلق لك إلا هذا.فخلق لك البصر، لتدرك به ما بعد عنك،و تدرك جهته،فتقصد تلك الجهة بعينها إلا أنه لو لم يخلق لك إلا هذا

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 12  صفحه : 115
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست