responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 647

كالسراج فلا يظهر لهذا العلم ثمرة إلا في العلماء به كما لا يظهر للدهن حكم إلا في السراج القائم بالفتيلة و هنا يقع له اكتساب الأوصاف التي نزهنا الأصل عنها في ذلك المقام و في هذا المقام نصفه بها من أجلنا لا من أجله فهذا الوصف للآثار لا له كان اللّٰه و لا شيء معه و سيأتي الكلام على هذا الأصل في الباب الخمسين و ثلاثمائة من هذا الكتاب و مما يتضمنه هذا المنزل علم خلق الأجسام الطبيعية و أن أصلها من النور و لذلك إذا عرف الإنسان كيف يصفي جميع الأجسام الكثيفة الظلمانية أبرزها شفافة للنورية التي هي أصلها مثل الزجاج إذا خلص من كدورة رملة يعود شفافا و جلى الأحجار من هذا الباب و معادن البلور و المها و إنما كان ذلك لأن أصل الموجودات كلها اَللّٰهُ من اسمه نُورُ السَّمٰاوٰاتِ و هي ما علا وَ الْأَرْضِ و هي ما سفل فتأمل في إضافته النور إلى السموات و الأرض و لو لا النورية التي في الأجسام الكثيفة ما صح للمكاشف أن يكشف ما خلف الجدران و ما تحت الأرض و ما فوق السموات و لو لا اللطافة التي هي أصلها ما صح اختراق بعض الأولياء الجدران و لا كان قيام الميت في قبره و التراب عليه أو التابوت مسمرا عليه مجعولا عليه التراب لا يمنعه شيء من ذلك عن قعوده و إن كان اللّٰه قد أخذ بأبصارنا عنه و يكشفه المكاشف منا و قد ورد في ذلك أخبار كثيرة و حكايات عن الصالحين و لهذا ما ترى جسما قط خلقه اللّٰه و بقي على أصل خلقته مستقيما قط ما يكون أبدا إلا مائلا للاستدارة لا من جماد و لا من نبات و لا من حيوان و لا سماء و لا أرض و لا جبل و لا ورق و لا حجر و سبب ذلك ميلة إلى أصله و هو النور فأول موجود العقل و هو القلم و هو نور إلهي إبداعي و أوجد عنه النفس و هو اللوح المحفوظ و هي دون العقل في النورية للواسطة التي بينها و بين اللّٰه و ما زالت الأشياء تكثف حتى انتهت إلى الأركان و المولدات و بما كان لكل موجود وجه خاص إلى موجدة به كان سريان النور فيه و بما كان له وجه إلى سببه به كان فيه من الظلمة و الكثافة ما فيه فتأمل إن كنت عاقلا فلهذا كان الأمر كلما نزل أظلم و أكثف فأين منزلة العقل من منزلة الأرض كم بينهما من الوسائط ثم لتعلم إن جسم الإنسان آخر مولد فهو آخر الأولاد مركب مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ صَلْصٰالٍ و هو كما رأيت مائل إلى الاستدارة و إن كانت له الحركة المستقيمة دون البهائم و النبات و فيه من الأنوار المعنوية و الحسية و الزجاجية ما فيه مما لا تجده في غيره من المولدات بما أعطاه اللّٰه من القوي الروحانية فما قبلها إلا بالنورية التي فيه فهي المناسبة لقبول هذه الإدراكات و لهذا قال تعالى وَ آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهٰارَ

[لو لا النور ما كانت ظلمة]

فاعلم إن النور مبطون في الظلمة فلو لا النور ما كانت الظلمة و لم يقل نسلخ منه النور إذ لو أخذ منه النور لانعدم وجود الظلام إن كان أخذ عدم و إن كان أخذ انتقال تبعه حيث ينتقل إذ هو عين ذاته و النهار من بعض الأنوار المتولدة عن شروق الشمس فلو لا إن للظلمة نورا ذاتيا لها ما صح أن تكون ظرفا للنهار و لا صح أن تدرك و هي مدركة و لا يدرك الشيء إن لم يكن فيه نور يدرك به من ذاته و هو عين وجوده و استعداده بقبول إدراك الأبصار بما فيها من الأنوار له و اختص الإدراك بالعين عادة و إنما الإدراك في نفسه إنما هو لكل شيء فكل شيء يدرك بنفسه و بكل شيء أ لا ترى الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم كيف كان يدرك من خلف ظهره كما كان يدرك من أمامه و لم يحجبه كثافة عظم الرأس و عروقه و عظامه و عصبه و مخه غير إن اللّٰه أعطى الظلمة و الكثافة الأمانة فهي تستر ما تحوي عليه و لهذا لا تظهر ما فيها فإذا ظهر فيكون خرق عادة لقوة إلهية أعطاها اللّٰه بعض الأشخاص و إذا أمر من أودع الأمانة من أودعها أن يظهرها لمن شاءه المودع و هو الحق تعالى فله أن يؤديها إليه فلا أمين مثل الأجسام المظلمة على ما تنطوي عليه من الأنوار و قد نبه اللّٰه على أمانتهم بذكر بعضهم في قوله وَ هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فسماه أمينا و هو أرض ذو جدران و أسوار و تراب و طين و لبن فوصفه بالأمانة و أقسم به كما أقسم بغيره تعظيما لمخلوقات اللّٰه و تعليما لنا أن نعظم خالقها و نعظمها بتعظيم اللّٰه إياها لا من جهة القسم بها فإنه لا يجوز لنا أن نقسم بها و من أقسم بغير اللّٰه كان مخالفا أمر اللّٰه و هي مسألة فيها خلاف بين علماء الرسوم مشهور أعني القسم بغير اللّٰه فكلما اعوجت الأجسام كانت أقرب إلى الأصل الذي هو الاستدارة فإن أول شكل قبل الجسم الأول الاستدارة فكان فلكا و لما كان ما تحته عنه كان مثله و ما بعد عنه كان قريبا منه و لو لم تكن الطبيعة نورا في أصلها لما وجدت بين النفس الكلية و بين الهيولى الكل و الهيولى الذي هو الهباء أول ما ظهر الظلام بوجودها فهو جوهر مظلم فيه ظهرت الأجسام الشفافة و غيرها فكل ظلام في العالم من جوهر الهباء الذي هو الهيولى و بما هي في أصلها من النور قبلت جميع الصور النورية للمناسبة فانتفت ظلمتها بنور صورها فإن الصورة أظهرتها فنسبت إلى الطبع الظلمة في اصطلاح العقلاء و عندنا ليست الظلمة عبارة عن شيء سوى الغيب إذ الغيب لا يدرك بالحس و لا يدرك به و الظلمة تدرك و لا يدرك بها فلو لا إن الظلمة نور ما صح أن تدرك و لو كانت غيبا ما صح أن تشهد فالغيب لا يعلمه إلا هو و هذه كلها مفاتيح الغيب و لكن لا يعلم كونها مفاتح إلا اللّٰه يقول تعالى وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ و إن كانت موجودة بيننا لكن لا نعلم أنها مفاتح للغيب و إذا علمنا بالأخبار أنها مفاتح لا نعلم الغيب حتى نفتحه بها فهذا بمنزلة من وجد مفتاح بيت و لا يعرف البيت الذي يفتحه به عٰالِمُ الْغَيْبِ فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً ثم لتعلم بعد ما عرفتك بسريان النور في الأشياء أن الخلق بين شقي و سعيد فبسريان النور في جميع الموجودات كثيفها و لطيفها المظلمة و غير المظلمة أقرت الموجودات كلها بوجود الصانع لها بلا شك و لا ريب و بما له الغيب المطلق لا تعلم ذاته من طريق الثبوت لكن تنزه عما يليق بالمحدثات كما أن الغيب يعلم أن ثم غيبا و لكن لا يعلم ما فيه و لا ما هو فإذا وردت الأخبار الإلهية على ألسنة الروحانيين و نقلتها إلى الرسل و نقلتها الرسل عليهم السلام إلينا فمن آمن بها و ترك فكره خلف ظهره و قبلها بصفة القبول التي في عقله و صدق المخبر فيما أتاه به فإن اقتضى عملا زائدا على التصديق به عمله فذلك المعبر عنه بالسعيد و هو مما أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ و له الجزاء بما وعده به من الخير في دار القرار و النعيم الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى فينقطع بحلول أجله من حيث الجملة حكما إلهيا لا يتبدل و لا ينخرم و لا ينتسخ و من لم يؤمن بها و جعل فكره الفاسد أمامه و اقتدى به و رد الأخبار النبوية إما بتكذيب الأصل و إما بالتأويل الفاسد فإن كذب المخبر بما أتاه به و لم يعمل بمقتضى ما قيل له إن اقتضى ذلك عملا زائدا على التصديق به فذلك المعبر عنه بالشقي و هو من جهة ما فيه من الظلمة كما آمن السعيد من جهة ما فيه من النور و له الجزاء بما أوعده إن كذب من الشر في دار البوار و عدم القرار لوجود العذاب الدائم الذي لا يجري إلى أجل مسمى و إن كان له أجل في نفس الأمر من حيث الجملة حكما إلهيا عدلا كما كان في السعيد فضلا لا يتبدل و لا ينخرم و لا ينتسخ و في هذا خلاف بين أهل الكشف و هي مسألة عظيمة بين علماء الرسوم من المؤمنين و بين أهل الكشف و كذلك أيضا بين أهل الكشف فيها الخلاف هل يتسرمد العذاب عليهم إلى ما لا نهاية له أو يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب فيهم إلى أجل مسمى و اتفقوا في عدم الخروج منها و إنهم بها ماكثون إلى ما لا نهاية له فإن لكل واحدة من الدارين ملؤها و تتنوع عليهم أسباب الآلام ظاهرا لا بد من ذلك و هم يجدون في ذلك لذة في أنفسهم بالخلاف المتقدم باطنا بعد ما يأخذ الألم منهم جزاء العقوبة حدثني عبد اللّٰه الموروري في جماعة غيره عن أبي مدين إمام الجماعة أنه قال يدخل أهل الدارين فيهما السعداء بفضل اللّٰه و أهل النار بعدل اللّٰه و ينزلون فيهما بالأعمال و يخلدون فيهما بالنيات و هذا كشف صحيح و كلام حر عليه حشمة فيأخذ جزاء العقوبة الألم موازيا لمدة المعمر في الشرك في الدنيا فإذا فرغ الأمد جعل لهم نعيم في النار بحيث إنهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة المزاج الذي ركبهم اللّٰه فيه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار و زمهرير و ما فيها من لدغ الحيات و العقارب كما يلتذ أهل الجنة بالظلال و النور و لثم الحور الحسان لأن مزاجهم يقضي بذلك أ لا ترى الجعل في الدنيا هو على مزاج يتضرر بريح الورد و يلتذ بالنتن كذلك من خلق على مزاجه و قد وقع في الدنيا أمزجة على هذا شاهدناها فما ثم مزاج في العالم إلا و له لذة بالمناسب و عدم لذة بالمنافر أ لا ترى المحرور يتألم بريح المسك فاللذات تابعة للملائم و الآلام لعدم الملائم فهذا الأمر محقق في نفسه لا ينكره عاقل و إنما الشأن هل أهل النار على هذا المزاج بهذه المثابة بعد فراغ المدة أم لا أو هم على مزاج يقتضي لهم الإحساس بالآلام للأشياء المؤلمة و النقل الصحيح الصريح النص الذي لا إشكال فيه إذا وجد مفيدا للعلم يحكم به بلا شك ف‌ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و إن كنت لا أجهل الأمر في ذلك و لكن لا يلزم الإفصاح عنه فإن الإفصاح عنه لا يرفع الخلاف من العالم و بعض أهل الكشف قال إنهم يخرجون إلى الجنة حتى لا يبقى فيها أحد من الناس البتة و تبقي أبوابها تصفق و ينبت فيها الجرجير و يخلق اللّٰه لها أهلا يملؤها بهم من مزاجها كما يخلق السمك في الماء و عالم الهواء في الهواء و عالم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 647
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست