responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 633

من الوضوح لا يغيب عنه منها شيء في غاية الصفاء و في هذا التجلي

يقول النبي صلى اللّٰه عليه و سلم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فمن بعض ما يريد بهذا التشبيه الذي وقع بالرؤية إدراك ذات القمر لضعف أشعة القمر أن يمنع البصر من إدراك ذاته و الصحيح في ذلك أنه يريد به إذا كسف ليلة بدره فإنه عند ذلك يدرك البصر ذات القمر التي لا تقبل الزيادة و لا النقصان فهو إدراك محقق لذات القمر ثم قال في نفس الحديث أو كما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب و في ذلك الوقت يكون نورها أقوى فتظهر الأشياء كلها بها فيدرك البصر كلما وقع عليه من الأشياء إدراكه حين كشفت له هذه الشمس و إذا أراد أن يحقق النظر إلى ذات الشمس في هذه الحالة لا يقدر فأوقع التشبيه أن هذا التجلي ليس يمنع أن يرى الناس بعضهم بعضا أي لا يفنى فلهذا أوقع التشبيه برؤية القمر ليلة البدر و برؤية الشمس و ما اقتصر على واحد منهما و أكد البقاء في هذا المشهد بقوله لا تضارون و لا تضامون من الضيم و الضم الذي هو المزاحمة و من الضير و الإضرار و لما دخلت هذا المنزل وقع لي فيه التجلي في النور الذي لا شعاع له فرأيته علما و رأيت نفسي به و رأيت جميع الأشياء بنفسي و بما تحمله الأشياء في ذواتها من الأنوار التي تعطيها حقائقهم لا من نور زائد على ذلك فرأيت مشهدا عظيما حسيا لا عقليا و صورة حقية لا معنى ظهر في هذا التجلي اتساع الصغير لدخول الكبير فيه مع بقاء الصغير على صغره و الكبير على كبره كالجمل يلج فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ يشاهد ذلك حسا لا خيالا و قد وسعه و لا تدري كيف و لا تنكر ما تراه فسبحان من تعالى عن إدراك ما تكيفه العقول و فضل إدراك البصر عليها لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فأظهر عجز العقول بهذا التجلي الذي أظهر به قوة الأبصار و فضلها على العقول و أظهر في تجليه في النور الشعشعاني عجز الأبصار و قوة العقول و فضلها على الأبصار ليتصف الكل بالعجز و ينفرد الحق بالكمال الذاتي فمن عاين هذا المنزل يرى من العجائب و الآيات ما لا يمكن أن يحويه غيره و أول هذا المنزل عند دخولك فيه ترى نفسك مظهرا للحق فإذا رأيته تتحقق من نفسك أنه ليس هو و هو آخر هذا المنزل فيتضمن أوله هو مشاهدة و يخاطبك في هذا التجلي بأنه ليس هو فإنه من التجليات التي لا تفني عين المشاهدة فتجمع بين الرؤية و الخطاب و آخر هذا المنزل يتضمن الهو و هو في الغيب من غير رؤية و هو متعلق نظر العقل فأول هذا المنزل بصري و آخره عقلي و ما بينهما و هذا منزل يتضمن أيضا ما نذكره

[الأسرار التي منحه اللّٰه على العبد]

فاعلم إن الأسرار التي يمنحها الحق عبده من أهل هذه الطريقة على قسمين منها أسرار تعطيك بذاتها إن تظهرها في الأكوان من غير حرج في ذلك عليك و لا تحتاج في إظهارها للغير إلى إذن إلهي و أسرار لا تعطيك بذاتها هذا الحكم و هي على قسمين قسم منها تحتاج في إظهاره إلى إذن إلهي فإن أظهرته عن غير إذن قوبلت و وقع الحرج و الجناح عليك في إظهاره و قد وقع لي مثل هذا و لكن بحمد اللّٰه قوبلت بالعتاب لا بالعقاب رحمة من اللّٰه بي و عناية و أسرار أخر لا يعطيها الحق لأحد بواسطة فلو طلبت الأذن فيها إذا أطلعك الحق عليها أن توصلها ما أذن لك فإنها أذواق لا تعرفها من غيرك بمجرد العبارة عنها فإنها مما ينفرد الحق بإيصالها من الحق إلى العبد كما يفعل بالأحوال فلو رام أحد أن يعبر عن الشوق الذي يجده إلى من اشتاق إليه ما أطاق ذلك و لا وصل إلى فهم الآخر منه شيء إلا أن يقوم الشوق به مثل ما قام بصاحبه فيعرف عند ذلك حقيقة مسمى هذا اللفظ و كذلك ما في معناه و كلذة الجماع التي حرمها العنين لا يتمكن لمن قامت به أن يوصلها بالتعريف إلى العنين و كذلك كل علم يتعلق بالحواس لا يمكن للعقل أن يصل إلى معرفته بنفسه و لا بالعبارة عنه إلا أن يحس به الآخر فالذي يختص بهذا المنزل معرفة الأسرار التي يتوقف إظهارها ممن قامت به و أعطيته على الأذن الإلهي و معرفة الأسرار الإلهية المستورة خلف حجاب الصور التي لا تظهر إلا لمن كان على بينة من ربه في ذلك فإذا شهدت البينة لها عند العبد قبلها فلا يحتاج إلى شاهد مثل ما يحتاج في غيرها فإذا حصل العبد في هذا المقام و وهبه الحق من هذه الأسرار وهب تجل و اطلع على أمور غامضة من العلم بالله سترها في نفسه و كتمها عن غيره وفاء بحق الأمانة و حفظها و معرفة بقدرها و منزلتها و يطلع على هذه الأسرار معنا من ينسب بعض الأفعال إلى غير اللّٰه من المعتزلة و الفلاسفة و أهل الشرك الذين عبدوا غير اللّٰه مع عبادة اللّٰه فقد ينفردون في أوقات مع اللّٰه دون الشريك و ذلك في أوقات الضرورات المهلكة التي يقطعون فيها إن آلهتهم لا تغني

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 633
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست