responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 613

تعالى وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً و يلحق بهذا الباب طوائف ممن أوجب أكثر العلماء عليهم العذاب و حكموا عليهم بالشقاء من غير دليل واضح يفيد العلم فأنزلوهم منازل الأشقياء بالظن و القطع على غير علم في نفس الأمر فالإله لا يكون بالحسبان فثبت بما ذكرناه أنه من ظن لم ينج من عذاب في الإله فإن قيل

يقول اللّٰه أنا عند ظن عبدي بي قلنا له هو مذهبنا فإنه قال بي فقد أثبته و ما قال أنا عند ظن العبد بمن جعله إلها فمتعلق الظن كان عنده بالله فيما يظنه من سعادة أو شقاء فإنه عالم بالله صاحب ظن في مؤاخذته على الذنب أو العفو عنه و بعد أن تقرر هذا

[أن الجنة جنتان جنة حسية و جنة معنوية كما أن النار ناران]

فلتعلم إن الجنة جنتان جنة حسية و جنة معنوية فالمحسوسة تتنعم بها الأرواح الحيوانية و النفوس الناطقة و الجنة المعنوية تتنعم بها النفوس الناطقة لا غير و هي جنة العلوم و المعارف ما ثم غيرهما و النار ناران نار محسوسة و نار معنوية فالنار المحسوسة تتعذب بها النفوس الحيوانية و النفوس الناطقة و النار المعنوية تتعذب بها النفوس الناطقة لا غير و الفرق بين النعيمين و العذابين إن العذاب الحسي و النعيم الحسي يكون بالمباشرة للذي يكون عن مباشرته الألم القائم بالروح الحيواني و العذاب المعنوي لا يكون بمباشرة للنفوس الناطقة و إنما هو بما حصل لها من العلم بما فاتها من العمل و العلم المؤدي إلى سعادة الروح الحيواني الذي يتضمن سعادة النفس الناطقة و أما نار الفكر الذي يتعلق ألمه بالحس و بالنفس فهي نار معنوية فإن حصل العلم عنها أعقبها نعيم جنة معنوية و إن لم يحصل العلم عنها لم يزل صاحبها معذبا ما دام مفكرا و لا نعيم له معنوي و إذا زال الفكر عنه بأي وجه زال من غير حصول علم فذلك النعيم الذي تجده النفس إنما هو الراحة من فقد نار التفكر المسلط على قلبه فهي راحة حسية لا معنوية فاعلم ذلك

[إحراق النار بالطبع]

و اعلم أن هذا المنزل يتضمن علم عقل ما ليس بحيوان في الإدراك الحس العادي عن اللّٰه تعالى ما يأمره به مثل قوله تعالى إِنّٰا عَرَضْنَا الْأَمٰانَةَ عَلَى السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبٰالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهٰا و قوله تعالى فَقٰالَ لَهٰا وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ فجمعهما جمع من يعقل و أثبت لها ما أثبت للحي العالم السميع القادر و قوله تعالى عَلَيْهِمْ نٰارٌ مُؤْصَدَةٌ فأخبر أنها مسلطة و لا يقبل التسليط إلا من يعقل و أنها محرقة بالطبع فإنه لو لم تحرق بالطبع ما قبلت الإرسال على الكفار إذ لو كان الحرق فيها بغير الطبع لما تصورت منها المخالفة لأن المخالف إنما هو الاحتراق فهو أمر آخر يفتقر وجوده إلى إيجاد موجدة و الحق ما خاطب إلا النار و الإحراق عرض و العرض يفتقر إلى وجود في غير عين النار فإنه إن وجد في النار فإنه لا ينتقل إلى الجسم المسلط عليه النار لأن العرض لا ينتقل إذ لو انتقل لخلا عن المحل و قام بنفسه و العرض لا يقوم بنفسه فمن المحال تحريق الجسم المحرق بالنار فيكون خطاب النار بالإحراق عبثا و قد وقع الخطاب على النار بالتسليط فعلى من وقع فبطل إن يكون الحق يتكلم بالعبث فكيف يخرج هذا الخطاب و على من يقع إذا لم يكن الإحراق للنار بالطبع و هكذا كل جماد و نبات و حيوان خوطب لا بد أن يكون حيا عاقلا قابلا لما يخاطب به من شأنه أن يعقل ما قيل له افعل قبولا ذاتيا تابعا لوجود عينه فهذا قد نبهتك على هذا النوع من الإدراك الذي يتضمنه هذا المنزل و اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف و تلك الأرواح لا يعلمها من اللّٰه إلا بوسائط لغموضها و دقتها فمن جملة ما يحويه علم كسر المكسور إلى ما لا نهاية له و معلوم من طريق العقل إن المكسور محصور فهو متناه لنفسه فكيف يقبل الكسر إلى ما لا يتناهى و هذه مسألة تشبه بمسألة انقسام الجسم إلى ما لا نهاية له عقلا لا حسا عند الحكماء لإبطال إثبات الجوهر الفرد الذي تنتهي إليه قسمة الجسم في مذهب المتكلمين فمن هذا المنزل تعرف الحق عند من هو من هاتين الطائفتين و تطلع من هذا المنزل على علم قيام العذاب و حمله في غير أجسام المعذبين و عذاب المعذبين به مع كونه غير قائم بهم و هو من أشكل المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به فتشبه أيضا هذه المسألة مسألة من يقول إن اللّٰه إذا أراد أن يمضي أمرا خلق إرادة لا في محل ثم أراد بها إمضاء ذلك الأمر فقد أوجب المعنى حكمه لمن لم يقم به عند مثبتي الصفات أعيانا لها أحكام و هم المتكلمون و الفرق بين هذه المسألة و بين مسألتنا أن العذاب محمول في أجسام و حكمه في أجسام أخر غير الأجسام القائم بها العذاب و العذاب المحمول في هذه الأجسام لا تتعذب به و هو قائم بها و هي متصفة به من كونها محلا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 613
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست