responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 588

تعالى في حال اتصافها بالعدم لذاتها و هذا هو الوجود الأصلي الإضافي و العدم الإضافي فثبتت الأحوال للعالم و لكل ما سوى اللّٰه و أن الوجود ليس عين الموجود إلا في حق الحق سبحانه حتى لا يكون معلولا لوجوده فإنه لو كان معلولا لوجوده لكان حالا له تعالى اللّٰه عن ذلك علوا كبيرا فإذا خلص الإنسان بعد خروجه من ظلمة طبعه و هواه إلى نور عقله و هداه أربعين صباحا ظهر عنه مثل ما ظهر له و أخذ عنه مثل ما أخذ و تلك أول درجة الدينار الثالث و أول قيراط منه و لا يزال فيه حتى يجب عليه أن يطلب على من يأخذ عنه فإذا وجب عليه ذلك وجوبا شرعيا كفروض الأعيان كلها كان ذلك أول قيراط من الدينار الرابع و سمي رجلا عند ذلك و إن لم يحصل له هذا الوجوب فليس برجل فكمال الرجولية فيما ذكرناه و سواء كان ذكرا أو أنثى و أما الكمال الذاتي و هو غير كمال الرجولية فهو أن لا يتخلل عبوديته في نفسه ربانية بوجه من الوجوه فيكون وجودا في عين عدم و ثبوتا في عين نفي و لذلك أوجده الحق فكمال الرجولية عارض و كمال العبودة ذاتي فبين المقامين ما بين الكمالين و أما درجات منازل هذين الكمالين فمعلومة عندنا حيث هي فدرجة الكمال الذاتي في نفس الحق و درجات الكمال العرضي في الجنان فلهؤلاء النور و لهؤلاء الأجور قال تعالى لَهُمْ أَجْرُهُمْ يعني من كمالهم العرضي و ما يستحق الأجر من كل أمر عرضي و لهم نُورُهُمْ من كمالهم الذاتي اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ و تقول الرسل قاطبة و هم الكمل بلا خلاف إِنْ أَجْرِيَ إِلاّٰ عَلَى اللّٰهِ فإن ذلك المقام يعطي الأجر و لا بد فيقع التفاضل في الكمال العرضي و لا يقع في الكمال الذاتي قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و قال هُمْ دَرَجٰاتٌ عِنْدَ اللّٰهِ و لم يقل لهم درجات عند اللّٰه فجعلهم أعيان الدرجات لأنهم عين الكمال الذاتي و بالكمال العرضي لهم الدرجات الجنانية فاعلم ذلك جعلنا اللّٰه ممن جمع بين الكمالين فإن حرمنا الجمع فالله يجعلنا من أهل الكمال الذاتي بمنه و كرمه و أنا أرجو من اللّٰه إني قد حصلته تحصيلا لا يحال بي دونه بحسن ظني بربي فما أعلاه من مشهد فإذا حصل للعبد هذا الكمال العرضي و رأى الإجابة الكونية لندائه من غير طلب دليل و لا برهان علم قطعا إن الحق قد تجلى لقلوب عباده و أنه سبحانه قد رفع الوساطة في أمره بينه و بين قلوب عباده فإن أمره سبحانه برفع الوسائط لا يتصور أن يعصى لأنه بكن إذ كن لا تقال إلا لمن هو موصوف بلم يكن و ما هو موصوف بلم يكن ما يتصور منه إباية و إذا كان الأمر الإلهي بالوساطة فلا يكون بكن فإنها من خصائص الأمر العدمي الذي لا يكون بواسطة و إنما يكون الأمر بما يدل على الفعل فيؤمر بإقامة الصلاة و إيتاء الزكاة فيقال له أقم الصلاة و آت الزكاة فاشتق له من اسم الفعل اسم الأمر فيطيعه من شاء منهم و يعصيه من شاء منهم فإذا أطاعوه كما قد ذكرنا بهذا التجلي الإلهي لقلوب عباده الذي لا يحتاج فيه المأمور إلى دليل و لا برهان لوجود الإجابة من نفسه ضرورة لأن الضرورة إنما تصورت هنا لكون الإنسان لا يقدر على دفع ما تكون في نفسه فإن كن إنما تعلقت بما تكون في نفس الإنسان فكان الحكم لما تكون فيمن تكون فآمن و لا بد أو صلى و لا بد أو صام و لا بد على حسب ما تعطيه حقيقة الأمر الذي تعلق به كن و قد يرد أمر الواسطة و لا يرد الأمر الإلهي فلا يجد المخاطب آلة يفعل بها فيظهر كأنه عاص و إنما هو عاجز فاقد في الحقيقة لأنه ما تكون فيه ما أمر به أن يتكون عنه و اللّٰه الغني الحميد

[إن من نتيجة الرجولة النصر على الأعداء]

و اعلم أن الفتوح الإلهي الذي يتعلق بالكون مثل النصر على الأعداء و القهر لهم و الرحمة بالأولياء و العطف عليهم إنما هو من نتائج الرجولة لا من غيرها فإذا حصل هذا المقام و أكمل نشأته ناداه الحق في سره من كماله سبحانه لكمال العبد الذاتي فنزه ذات موجدة عن الكمال العرضي و هو الكمال الإلهي فإن الكمال الإلهي بالفعل فهو في نفوذ الاقتدار في المقدورات و نفوذ الإرادة في المرادات و ظهور أحكام الأسماء الإلهية و الكمال الذاتي للذات الغني المطلق عن هذا كله فيكون العبد في هذا المقام لا يشهد ذات موجدة من كونها موصوفة بالألوهة و إنما مشهده غناها عما تستحقه الألوهة من الآثار الكونية فيفتقر إليها افتقارا ذاتيا فهو في عبادته تلك صاحب عبادة ذاتية من غير اقتران أمر بها لأن الأمر إنما متعلقة الأمور العارضة لا الذاتية فلا يقال للعبد كن عبدا فإنه عبد لذاته و إنما يقال له اعمل كذا أيها العبد و عمله أمر عرضي و العمل متعلق الأمر من العبد و قد يعمل و قد لا يعمل و هذا المنزل يعطي جميع ما ذكرناه و يكون تنزيهه لذات موجدة بما يستحقه من الثناء الذي يليق بالكمال الذاتي

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 588
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست