responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 58

الفقر مع وجود اسم الغني المقيد له و الظاهر فيه إذا تسمى بالغنى يصح له لأنه يعطي جودا و منة و هو الوهاب الذي يعطي لينعم و قد يعطي ليعبد فلا يكون هذا عطاء تنزيه بل هو عطاء عوض ففيه طلب قال تعالى وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ فإعطاء هذا الخلق إعطاء طلب لا إعطاء هبة و منة و إعطاء الوهب إعطاء إنعام لا لطلب شكر و لا عوض يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرٰاناً وَ إِنٰاثاً و هو الخنثى ثم وصف نفسه في ذلك بأنه عَلِيمٌ قَدِيرٌ و هو وصف يرجع إليه ما طلب منهم في ذلك عوضا كما طلب في قوله وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ فمنزلة خلقهم له ما هو منزلة خلقهم لهم فخلقهم لهم من أسماء التنزيه و خلقهم له من أسماء التشبيه و هذا القدر كاف في الغرض

(السؤال الخامس و العشرون)ما بدء الوحي

الجواب إنزال المعاني المجردة العقلية في القوالب الحسية المقيدة في حضرة الخيال في نوم كان أو يقظة و هو من مدركات الحس في حضرة المحسوس مثل قوله فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا و في حضرة الخيال

كما أدرك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم العلم في صورة اللبن و كذا أول رؤياه قالت عائشة أول ما بديء به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من الوحي الرؤيا فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح و هي التي أبقى اللّٰه على المسلمين و هي من أجزاء النبوة

[النبوة التي ارتفعت و النبوة التي أبقيت]

فما ارتفعت النبوة بالكلية و لهذا قلنا إنما ارتفعت نبوة التشريع فهذا معنى لا نبي بعده و كذلك من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه فقد قامت به النبوة بلا شك فعلمنا إن قوله لا نبي بعده أي لا مشرع خاصة لا أنه لا يكون بعده نبي فهذا مثل قوله إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده و إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده و لم يكن كسرى و قيصر إلا ملك الروم و الفرس و ما زال الملك من الروم و لكن ارتفع هذا الاسم مع وجود الملك فيهم و تسمى ملكهم باسم آخر بعد هلاك قيصر و كسرى كذلك اسم النبي زال بعد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فإنه زال التشريع المنزل من عند اللّٰه بالوحي بعده صلى اللّٰه عليه و سلم فلا يشرع أحد بعده شرعا إلا ما اقتضاه نظر المجتهدين من العلماء في الأحكام فإنه بتقرير رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم صح فحكم المجتهد من شرعه الذي شرعه صلى اللّٰه عليه و سلم الذي يعطي المجتهد دليله و هو الذي أذن اللّٰه به فما هو من الشرع الذي لم يأذن به اللّٰه فإن ذلك كفر و افتراء على اللّٰه

[الرؤيا الصادقة و الوحى]

فإن قلت هذا الذي بديء به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم من أين نقول إنه بدء الوحي قلنا لا شك و لا خفاء عند المؤمنين و الأولياء أن محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم خصه اللّٰه بالكمال في كل فضيلة فمن ذلك أن خصه بكمال الوحي و هو استيفاء أنواعه و ضروبه و هو

قوله عليه السلام أوتيت جوامع الكلم و بعث عامة فما بقي ضرب من الوحي إلا و قد نزل عليه به فلما كان بهذه المثابة و بديء صلى اللّٰه عليه و سلم بالرؤيا في وحيه ستة أشهر علمنا إن بدء الوحي الرؤيا و إنها جزء من ستة و أربعين جزءا من النبوة لكونها ستة أشهر و كانت نبوته ثلاثا و عشرين سنة فستة أشهر جزء من ستة و أربعين و لا يلزم أن يكون لكل نبي فقد يوحى لنبي لا من بدء الوحي الذي هو الرؤيا بل بضرب آخر من الوحي فلما بديء بالرؤيا صلى اللّٰه عليه و سلم قلنا الرؤيا بدء الوحي بلا شك لأن الكمال الذي وصف به نفسه صلى اللّٰه عليه و سلم في المقام أعطى أن يكون بدء الوحي ما بديء به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و كذا ينبغي أن يكون فإن البدء عندنا هو ما يناسب الحس أولا ثم يرتقي إلى الأمور المجردة الخارجة عن الحس فلم تكن إلا الرؤيا نوما كان أو يقظة و الوحي هنا تشريع الشرائع من كونه نبيا أو رسولا كيف ما كان

[الإلهام و الوحى]

و هذا كله إذا كان سؤاله عن الوحي المنزل على البشر فإن كان سؤاله عن بدء الوحي من حيث الوحي أو عن بدء الوحي في حق كل صنف ممن يوحى إليه كالملائكة و غير البشر من الجنس الحيواني مثل قوله وَ أَوْحىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ و غير الجنس الحيواني مثل عرض الأمانة على السموات و الأرض و الجبال : فإنه كان بوحي و مثل قوله وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا و مثل قوله وَ نَفْسٍ وَ مٰا سَوّٰاهٰا و هي نفس كل مكلف و ما ثم إلا مكلف لقوله فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا وَ تَقْوٰاهٰا فدخل الملك بالتقوى في هذه الآية إذ لا نصيب له في الفجور و كذلك سائر نفوس ما عدا الإنس و الجان فالإنس و الجن ألهموا الفجور و التقوى كُلاًّ نُمِدُّ هٰؤُلاٰءِ وَ هَؤُلاٰءِ مِنْ عَطٰاءِ رَبِّكَ وَ مٰا كٰانَ عَطٰاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً فإن أراد بدء الوحي في كل صنف صنف و شخص شخص فهو الإلهام فإنه لا يخلو عنه موجود و هو الوحي و هذا جواب عن بدء الوحي من حيث الوحي و من حيث شخص شخص

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست