responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 558

الواردات مع أنها ما ترد إلا على قلب مستعد لقبولها فإذا ورد الوارد على القلب فجأة من غير تصنع فيعطيه ذلك الوارد حسرة فوت الوقت فإنه منبه لمن غفل عن حكم وقته فيه فلم يتأدب مع وارد وقته أراد الحق أن ينبهه عناية منه به فبعث إليه هذا الوارد رسولا من اللّٰه يكشف له عن فوت وقته و إنه ممن أساء الأدب مع اللّٰه فيندمه على ما كان منه من فوت الوقت فيجبر له هذا الندم فضيلة ما فاته من وقته حتى يكون كأنه ما فاته شيء و هذا غلط عظيم فيتزين وقته بزينة ندمه كما كان يتزين بزينة أدبه معه لو حضر معه و لم يفته فهذه فائدة الهجوم يجبر الوقت الذي فإنه و لنا في ذلك

بادر لجبر الذي قد فات من عمرك و لتتخذ زادك الرحمن في سفرك
و أما البوادة فهي أيضا فجأة إلهية تفجأ القلوب من حضرة الغيب بحكم الوقت و لا تأتي في اصطلاحهم هذه البوادة إلا أن تعطي فرحا في القلب أو حزنا فتضحك و تبكي و هو قول أبي يزيد ضحكت زمانا و بكيت زمانا يريد أنه كان في حكم البوادة ثم قال و أنا اليوم لا أضحك و لا أبكي يعرف بانتقاله من تأثر حال البوادة فيه إلى حال العظمة و لا تكون البوادة إلا فيمن يتصف و من لا وصف له لا بديهة له غير أنه لما كانت البوادة من حضرة الهو لم يعرف متى تأتي فإذا وردت إنما ترد فجأة و بغتة فتعطي ما وردت به و تنصرف و أما البديهة التي تعرفها الناس فليست تتقيد بفرح و لا ترح فما هي التي اصطلح عليها القوم و هي عينها إلا أن القوم ما سموا بديهة إلا ما أوجب فرحا أو ترحا و أما إذا لم يوجب ذلك فأحوالهم فيها أحوال الناس غير أن أهل الطريق يعلمون أن البوادة إذا وردت لا يخطئ حكمها البتة و لها الإصابة في كل ما ترد به و لهذا إذا سأل الشيوخ تلاميذهم عن مسألة على تعليم الأخذ عن اللّٰه لا يتركونه يفكر في الجواب فيكون جوابهم نتيجة فكر و إنما يقولون لا تجب إلا بما يخطر لك فيما سألت عنه عند السؤال فتنظر إلى قلبك ما ألقى فيه عند ورود السؤال فاذكره ببادئ الرأي فإن لم يفعل فلا يقبل منه الجواب و إن أصاب عن فكر و نظر فإن اللّٰه لا يغفل في كل نفس عن قلب أحد من عباده بل هو الرقيب عليه فيهبه في كل نفس بحسب ما يريده سبحانه فأصحاب القلوب المراقبين قلوبهم من أجل آثار ربهم فيها يجيبون بورود الوارد في كل نفس فيعملون بمقتضاه إن وافق الميزان الشرعي الذي قد شرع لسعادتهم و إن لم يوافق طريق السعادة فإن لهم لهذا الوارد أخذا مخصوصا فيأخذونه تنبيها من الحق و تعريفا لا مؤثرا في ظاهرهم و لا باطنهم فهذا قد بينا معنى البوادة و الهجوم عند القوم وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الباب الموفي ستين و مائتان في معرفة القرب»

و هو القيام بالطاعات و قد يطلقونه و يريدون به قرب قٰابَ قَوْسَيْنِ و هما قوسا الدائرة إذا قطعت بخط أَوْ أَدْنىٰ

إذا قطعت بخط أكرة فبدا قوسان ذلك قرب الحق فاعتبروا
إلى حقيقة أدنى منهما فإذا ما حزته لاح ما يقضي به النظر
إن المعارج للأرواح نسبتها خلاف نسبة ما يسرى به البصر

[المطلوب في القرب أن يكون صفة العبد]

قال تعالى وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فوصف نفسه بالقرب من عباده و المطلوب بالقرب إنما هو أن يكون صفة العبد فيتصف بالقرب من الحق اتصاف الحق بالقرب منه كما قال وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ و الرجال يطلبون أن يكونوا مع الحق أبدا في أي صورة تجلى و هو لا يزال متجليا في صور عباده دائما فيكون العبد معه حيث تجلى دائما كما لا يخلو العبد عن أينية دائما و اللّٰه معه أينما كان دائما فأينية الحق صورة ما يتجلى فيها فالعارفون لا يزالون في شهود القرب دائمين لأنهم لا يزالون في شهادة الصور في نفوسهم و في غير نفوسهم و ليس إلا تجلى الحق و أما القرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد بالفوز من شقاوته و سعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها و لا يكون له ذلك إلا في الجنة و أما في الدنيا فإنه لا بد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته فقرب العامة و القرب العام إنما هو القرب من السعادة فيطيع ليسعد و قرب العارفين ما ذكرناه فهو يتضمن السعادة و زيادة و لو لا الأسماء الإلهية و حكمها في الأكوان ما ظهر حكم القرب و البعد في العالم فإن كل عبد في كل وقت لا بد أن يكون صاحب

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 558
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست