responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 550

اعلم أيدك اللّٰه أن الشرب هو ما تستفيده في النفس الثاني مضافا إلى ما استفدته في نفس الذوق بالغا ما بلغ على مذهب من يرى الري و من لا يراه

[الشرب إما أن يكون عن عطش و إما عن التذاذ]

و اعلم أن الشرب قد يكون عن عطش و قد يكون عن التذاذ لا عن عطش كشرب أهل الجنة بعد شربهم من الحوض الذي قام لهم مقام الذوق فشربهم من الحوض عن ظمأ ثم لا يظمئون بعد ذلك أبدا فإن أهل الجنة لا يظمئون فيها و هم يشربون فيها شرب شهوة و التذاذ لا شرب ظمأ و لا دفع ألمه

[اختلاف الشرب باختلاف المشروب]

و اعلم أن الشرب يختلف باختلاف المشروب فإن كان المشروب نوعا واحدا فإنه يختلف باختلاف أمزجة الشاربين و هو استعدادهم فمن الناس من يكون مشروبه ماء و منهم من يكون مشروبه لبنا و منهم من يكون مشروبه خمرا و منهم من يكون مشروبه عسلا بحسب الصورة التي يتجلى فيها ذلك العلم فإن هذه الأصناف صور علوم مختلفة قد ذكرناها في جزء لنا سميناه مراتب علوم الوهب و دليلنا على ما قلناه إنها علوم رؤيا النبي صلى اللّٰه عليه و سلم

فإنه قال أريت كأني أوتيت بقدح لبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظافري ثم أعطيت فضلي عمر قالوا فما أولته يا رسول اللّٰه قال العلم فهذا علم تجلى في صورة لبن كذلك تتجلى العلوم في صور المشروبات و لما كانت الجنة دار الرؤية و التجلي و ما ذكر اللّٰه فيها سوى أربعة أنهار أَنْهٰارٌ مِنْ مٰاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهٰارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهٰارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشّٰارِبِينَ وَ أَنْهٰارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى علمنا قطعا إن التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور ماء و لبن و خمر و عسل و لكل تجل صنف مخصوص من الناس و أحوال مخصوصة في الشخص الواحد فمنه ما هو لأصحاب المنابر و هم الرسل و منه ما هو لأصحاب الأسرة و هم الأنبياء و منه ما هو لأصحاب الكراسي و هم الورثة الأولياء العارفون و منه ما هو لأصحاب المراتب و هم المؤمنون و ما ثم صنف خامس و كل صنف يفضل بعضه على بعضه كما قال اللّٰه في ذلك تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و قوله فَضَّلْنٰا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلىٰ بَعْضٍ فإن الأعمال كانت هنا في زمن التكليف مقسمة على أربع جهات و لذلك لما علم إبليس بهذه الجهات قال ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمٰانِهِمْ وَ عَنْ شَمٰائِلِهِمْ و لم يذكر بقية الجهات لأنه لم يقترن بها عمل فإنها للتنزل الإلهي و الوهب الرباني الرحماني الذي له العزة و المنع و السلطان فالعلوم و إن كثرت فإن هذه الأربعة تجمعها و هي مجال إلهية في منصات ربانية في صور رحمانية و هي في حق قوم مع الأنفاس دائما و هم الذين لا يقولون بالري و في حق قوم إلى أمد معين عينه لهم قوله تعالى يوم الزور و الرؤية ردوهم إلى قصورهم و هم الذين يقولون بالري في هذه المشروبات كلها و في بعضها و المتنوع في الكل من الناس من يكون مشروبه واحدا مما ذكرناه لا ينتقل عنه أبدا و منهم من يتنوع في المشروبات و هو الأتم و كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يحب مزج الماء باللبن فيشربه و مزج العسل باللبن و ما بقي إلا الخمر و ليست دار الدنيا بمحل لإباحته في شرع محمد صلى اللّٰه عليه و سلم الذي مات عليه فلم يمكن لنا أن نضرب به المثل بالفعل كما ضرب النبي صلى اللّٰه عليه و سلم بالفعل بشرب اللبن بالماء و شرب العسل باللبن فشربه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم خالصا و ممزوجا بما هو حلال له و لذلك أيضا

كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يقول في اللبن إذا شربه اللهم بارك لنا فيه و زدنا منه لأنه تقوم معه صورة ضرب المثل به في العلم في حديث الرؤيا الصحيح و هو مأمور بطلب الزيادة من العلم بقوله وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فكان اللبن مذكرا له بطلب الزيادة منه و

كان يقول في سائر الأطعمة اللهم بارك لنا فيه و أطعمنا خيرا منه

و كان صلى اللّٰه عليه و سلم إذا شرب ماء زمزم تضلع منه و كان يحب الحلوى و العسل فهذه كلها أعني المشروبات وضعها اللّٰه ضرب أمثلة لأصناف علوم تتجلى للعارفين في صور هذه المحسوسات و خص الخمر بالجنة دون الدنيا و قرن به اللذة للشاربين منه و لم يقل ذلك في غيره من المشروبات و ذلك لأنه ما في المشروبات من يعطي الطرب و السرور التام و الابتهاج إلا شرب الخمر فيلتذ به شاربه و تسري اللذة في أعضائه و تحكم على قواه الظاهرة و الباطنة و ما في المشروبات من له سلطان و تحكم على العقل سوى الخمر فهو للعلم الإلهي الذوقي الذي تمجه العقول من جهة أفكارها و لا يقبله إلا الايمان كما أن علم العلماء في علم هذا الطريق تهمة لأن علم هذا الطريق له أثر فيها فهو الحاكم المؤثر في غيره من أصناف العلوم و لا يؤثر فيه غيره لقوة سلطانه لأنه مؤثر في العقل و العقل أقوى ما يكون و كذلك يزيل حكم الوهم و الوهم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 550
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست