responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 545

ما يقتضيه الأمر في نفسه و يأتي الخبر الإلهي عن اللّٰه لصاحب هذا المقام بنعوت المحدثات إنها نعت لله فيأبى قبولها على هذا الوجه لأنه في سكرة دليله و برهانه فيرد ذلك الخبر لما يقتضيه نظره مع جهله بذات الحق و هل تقبل هذا النعت أو لا تقبله بل تخيل أنها لا تقبله فيمد رجله هذا العقل لسكره في غير بساطه فوقع في الحق بسكره و يعذره الحق في ذلك لأن السكران غير مؤاخذ بما ينطق فجرد عن اللّٰه ما نسبه الحق لنفسه فإذا صحا هذا العاقل عن سكره بالإيمان لم يرد الخبر الصدق و القول الحق و قال إن الحق أعلم بنفسه و بما ينسبه إليه من العقل فإن العقل مخلوق و المخلوق لا يحكم على الخالق فإنه ما من مصنوع إلا و يجهل صانعه فإن الشقة تجهل صانعها و هو الحائك كذلك الأركان مع الأفلاك و كذلك الأفلاك مع النفس و النفس مع العقل و كذلك العقل مع اللّٰه و غاية ما علم من علم منهم افتقاره إليه و استناده في وجوده إلى صانعه و لا يحكم عليه بشيء و لا سيما إن أخبر الصانع عن نفسه بأمور فليس للمصنوع إلا قبولها فإن ردها فلسكر قام به فخمره الذي يشرب إنما هو دليله و برهانه و يقويه على ذلك ما تعطيه بعض الأخبار الإلهية من النعوت في حقه الموافقة لبرهانه و دليله فهذا سكر عقلي فالسكر الطبيعي سكر المؤمنين و السكر العقلي سكر العارفين

و بقي سكر الكمل من الرجال و هو
السكر الإلهي

الذي

قال فيه رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم اللهم زدني فيك تحيرا و السكران حيران فالسكر الإلهي ابتهاج و سرور بالكمال و قد يقع في التجلي في الصور سكر بحق قال بعضهم

و أسكر القوم دور كأس و كان سكرى من المدير
فمن أسكره الشهود فلا صحو له البتة و كل حال لا يورث طربا و بسطا و إدلالا و إفشاء أسرار إلهية فليس بسكر و إنما هو غيبة أو فناء أو محق و لا يقاس سكر القوم في طريق اللّٰه على سكر شارب الخمر فإنه ربما أورث بعض من يشربه غما و بكاء و فكرة و ذلك لما يقتضيه مزاج ذلك الشارب و يسمونه سكران و مثل هذا لا يكون في سكر الطريق و قليل من الناس من يفرق بين الحيوان و السكران و عندنا في العلم الطبيعي أن شارب الخمر إذا أورثه غما و بكاء و حزنا و فكرة و إطراقا لما يقتضيه طبعه و مزاجه فليس بسكران و لا هو صاحب سكر فإن بعض الأمزجة لا تقبل السكر و لا أثر له فيها فغيبة السكران ليست عن إحساسه و إنما غيبته عن مقابل الطرب لا غير و نظير هؤلاء الذين لا يطربون نظير أصحاب الفكرة و الغيبة و الفناء و يفارق السكر سائر الغيبات لأن الصحو لا يكون إلا عن سكر و السكر يتقدم صحوه و ليس الحضور مع الغيبة كذلك و لا الفناء مع البقاء كذلك لكنه مثل الصعق مع الإفاقة و النوم مع اليقظة فإن النوم مقدم على الانتباه و الغشية متقدمة على الإفاقة و إنما ذكرنا هذا التفصيل من أجل مذهبهم في حد السكر أنه غيبة بوارد قوي فأطلقوا عليه اسم الغيبة فيتخيل من لا ذوق له أن حكمه حكم الغيبة فيقيس فيخطئ في تربيته للمريد إن كان من المتشيخين فيلتبس عليه الأمر فلا يفرق في حال المريد بين سكره و غيبته و فنائه و السكران في هذا الطريق لا يغيب عن إحساسه فإن غاب كما يراه الحنفيون في سكر شارب الخمر فقد انتقل عندنا من حال السكر إلى حال فناء أو غيبة أو محق و لم يعقب سكره صحو بل انتقل من حال سكر إلى حال فناء أو غيره من الأحوال المغيبة عن بعضه أو كله و لا يتخيل أن السكر لما كان على هذه المراتب المتميزة أنه يمكن أن يكون لصاحب هذه الحال سكران أو يجمعها كلها لما هو عليه من الحقائق كما قررنا في بعض المسائل من جمع الإنسان لأمور كثيرة لحقائق تطلبها منه و لا سيما و قد أنشد بعض من أسكره الخمر و الهوى فقال

سكران سكر هوى و سكر مدامة فتى يفيق فتى به سكران
فأخبر أنه قام به سكران و سكر هل اللّٰه ليس كذلك فإن المعرفة تمنع منه فإن السكران الإلهي لا يتمكن أن يكون له السكر العقلي فإن الشهود يمنع من ذلك و السكران بالسكر العقلي لا يتمكن له أن يتمكن منه السكر الطبيعي فإن دليله ينفيه فإنه إذا كان يرد حكم السكر الإلهي فكيف يقبل حكم السكر الطبيعي و إنما السكران من أهل اللّٰه يرتقي في سكره من سكر إلى سكر لا يجمع بينهما مثل ما قال هذا الشاعر و ما استشهد به في الطريق إلا صاحب قياس لا صاحب ذوق فمن أسكره السكر الطبيعي ثم جاءه السكر العقلي فإن السكر الطبيعي يفارق المحل بالضرورة و يزول حكمه عن صاحبه و ما هو الأمر في هذه الإسكارات بالتدريج قد يوهب الإنسان السكر ابتداء أعني السكر الإلهي فلا يمكن أن يكون له ذوق السكر

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 545
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست