responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 541

ما شهد و حمله على خلاف طريقه فلا بد مع التجلي من تعريف إلهي إما بصفاء الإلهام و إما بما شاءه الحق من أنواع التعريف و للانس بالله علامة عند صاحبه فإنه موضع يغلط فيه كثير من أهل الطريق فيجدون أنسا في حال ما يكون عليه فيتخيل إن ذلك آنس بالله فإذا فقد ذلك الحال فقد الأنس بالله فعندنا و عند الجماعة أن أنسه كان بذلك الحال لا بالله لأن الأنس بالله إذا وقع لم يزل موجودا عنده في كل حال و لذلك يقول القوم من أنس بالله في الخلوة و فقد ذلك الأنس في الملإ فأنسه كان بالخلوة لا بالله

[إن الأنس باسم إلهي خاص معين]

و اعلم أنه لا يصح الأنس بالله عند المحققين و إنما يكون الأنس باسم إلهي خاص معين لا بالاسم اللّٰه و هكذا جميع ما يكون من اللّٰه لعباده لا يصح أن يكون من حكم الاسم اللّٰه لأنه الاسم الجامع لحقائق الأسماء الإلهية فلا يقع أمر لشخص معين في الكون إلا من اسم معين بل و لا يظهر في الكون كله أعني في كل ما سوى اللّٰه شيء يعمه إلا من اسم خاص معين لا يصح أن يكون الاسم اللّٰه فإنه من أحكامه أيضا الغني عن العالمين كما أنه من أحكامه ظهور العالم و حبه سبحانه لذلك الظهور و الغني عن العالم لا يفرح بالعالم و اللّٰه يفرح بتوبة عبده فالاسم اللّٰه تعلم مرتبته و لا يتمكن ظهور حكمه في العالم لما فيه من التقابل و هذه مسألة عظيمة جليلة القدر صعبة التصور في الإلهيات فإن الشيء إذا اقتضى أمرا لذاته فمن المحال أن تتصف الذات بالغنى عن ذلك الأمر كما لا تتصف بالافتقار إليه و قد ورد الغني عن العالمين فإن جعلناه غنيا عن الدلالة كأنه يقول ما أوجدت العالم ليدل علي و لا أظهرته علامة على وجودي و إنما أظهرته ليظهر حكم حقائق أسمائي و ليست لي علامة على سوائي فإذا تجليت عرفت بنفس التجلي و العالم علامة على حقائق الأسماء لا علي و علامة أيضا على أني مستنده لا غير فالعالم كله ذو أنس بالله و لكن بعضه لا يشعر أن الأنس الذي هو عليه هو بالله لأنه لا بد أن يجد أنسا بأمر ما بطريق الدوام أو بطريق الانتقال بأنس يجده بأمر آخر و ليس لغير اللّٰه في الأكوان حكم فأنسه لم يكن إلا بالله و إن كان لا يعلم و الذي ينظر فيه أنه آنس به فذلك صورة من صور تجليه و لكن قد يعرف و قد ينكر فيستوحش العبد من عين ما أنس به و هو لا يشعر لاختلاف الصور فما فقد أحد الأنس بالله و لا استوحش أحد إلا من اللّٰه و الأنس مباسطة و الاستيحاش انقباض و أنس العلماء بالله إنما هو أنسهم بنفوسهم لا بالله إذ قد علموا أنهم ما يرون من اللّٰه سوى صورة ما هم عليه و لا يقع أنس عندهم إلا بما يرون و غير العارفين لا يرون الأنس إلا بالغير فتدركهم الوحشة عند انفرادهم بنفوسهم و كذلك الاستيحاش إنما يستوحشون من نفوسهم لأن الحق مجلاهم فهم بحسب ما يرونه فيهم بل فيه من أحوالهم فيقع الحكم فيهم بالأنس أو بالوحشة و حقيقة الأنس إنما تكون بالمناسب فمن يقول بالمناسبة يقول بالأنس بالله و من يقول بارتفاع المناسبة يقول لا أنس بالله و لا وحشة منه و كل واحد بحسب ذوقه فإنه الحاكم عليه و من له الإشراف من أمثالنا على المقامات و المراتب ميز و عرف كل شخص من أين تكلم و من نطقه و أنه مصيب في مرتبته غير مخطئ بل لا خطأ مطلقا في العالم وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الباب الأحد و الأربعون و مائتان في معرفة الجلال»



إن الجلال على الضدين ينطلق و هو الذي بنعوت القهر أشهده
له العلو و لا علو يماثله له النزول فكل الخلق يجحده
إني بكل الذي قد قلت أعرفه و ليس غير الذي قد قلت أقصده

[أن الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة و تعظيما]

اعلم أن الجلال نعت إلهي يعطي في القلوب هيبة و تعظيما و به ظهر الاسم الجليل و حكم هذا الاسم من أعجب الأحكام فإن له حكم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ و له حكم

قوله على لسان رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم مرضت فلم تعدني و جعت فلم تطعمني و ظمئت فلم تسقني فأنزل نفسه منزلة من هذه صفته من الافتقار إلى العبيد و كذلك نزوله في

قوله وسعني قلب عبدي و من هذا الباب فرحه بتوبة عبده و تعجبه من الشاب الذي لا صبوة له و تبشبشه بالذي يأتي إلى المسجد للصلاة هذا كله و أمثاله من نعوت التنزيه و التشبيه يعطيه حكم الجلال و الاسم الإلهي الجليل و لهذا قلنا إنه يدل على الضدين كالجون ينطلق على الأبيض و الأسود و كذلك القرء ينطلق على الحيض و الطهر و من حضرة الجلال نزل قوله تعالى وَ مٰا قَدَرُوا اللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ فمن وصفه إنما وصف نفسه و لا يعرف منه إلا نفسه لأن رب العزة

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 541
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست