responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 529

حجاب يحجب به الإنسان و أنه موضع المكر و الاستدراج فإن العاقل لا يقف في مواطن إمكان المكر فيها بل ينبغي له أن لا يقف إلا في موضع يكون على بصيرة فيه كما فعل موسى في غربة الوطن فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّٰا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ فاغترب بجسمه عن وطنه خوفا منهم فلو كان مثل خروج محمد صلى اللّٰه عليه و سلم من مكة إلى المدينة مهاجرا لم يكن خوفه منهم بل كان مشهوده خوفه من اللّٰه أن يسلطهم عليه فوهب له مع الرسالة التي كانت له قبل هجرته السيادة على العالمين فإن الهجرة كانت له مطلوبة و هي الاغتراب عن وطنه فعلامة صدق المريد في غربته عن وطنه حصول مقصوده فإذا لم يحصل فخلل في غربته إذا طلبه وجده فليس بصادق و إذا فارقه بالكلية ظاهرا و باطنا فلا بد من حصول المقصود فمن تعلق قلبه بوطنه في حال غربته فما اغترب الغربة المطلوبة و أما الغربة عن الحق التي هي من حقيقة الدهش عن المعرفة

[الوجوب و الإمكان]

فاعلم إن الإمكان موطنه غير موطن الوجوب بل هما موطنان للواجب و الممكن و موطن الممكن العدم أو لا و هو موطنه الحقيقي فإذا اتصف بالوجود فقد اغترب عن وطنه بلا شك و كان في حال سكناه في وطنه مشاهدا للحق فإنه جار له إذ وصف العدم له أزلا وصف الوجود لله أزلا فاغترب عن وطنه بالوجود ففارق مجاورة الحق و لزم الحدوث بهذه الغربة و الحق غير متصف بهذه الصفة و لم يتصف الحق بالحدوث أزلا في حال عدمه فاغترب عن الحق بحدوثه و لما حصل له الوجود الحادث و وقعت المشاركة في الوجود بينه و بين الحق دهش فإنه رأى ما لا يعرفه فإنه عرف نفسه متميزا عن الحق بحال العدم فلما فارق هذا الحال بالوجود أدركه الدهش عن المعرفة الأولى و هذه الغربة حال رجلين رجل لم يأنس بهذا المقام و لا وصل إليه بطريق استدراج و ترق من حال إلى حال بل أتاه بغتة فجاءه ما لم يعهده و لا ألفه فرأى نفسه تضعف عن حمله فيخاف من عدم عينه فيدهش عن تحصيل تلك المعرفة و يرجع إلى حسه عاجلا فيتغرب عن الحق في تلك الرجعة و رأينا من أهل هذا المقام أبا العباس أحمد العصاد المعروف بمصر بالحريري و ما رأينا غيره و أما الرجل الآخر فهو رجل ما من معرفة ترد عليه إلا و تدهشه لعظيم ما يرى مما هو أعلى مما حصل له و أمكن فيتغرب عن الحق الذي كان بيده و يحصل من هذه المعرفة حقا يقوم به إلى وقت تجل آخر يعطي فيه معرفة تدهشه لما ذكرناه فيتغرب أيضا عن الحق الذي حصل له في هذه المعرفة دائما أبدا دنيا و آخرة و أما العارفون المكملون فليس عندهم غربة أصلا و إنهم أعيان ثابتة في أماكنهم لم يبرحوا عن وطنهم و لما كان الحق مرآة لهم ظهرت صورهم فيه ظهور الصور في المرآة فما هي تلك الصور أعيانهم لكونهم يظهرون بحكم شكل المرآة و لا تلك الصور عين المرآة لأن المرآة ما في ذاتها تفصيل ما ظهر منهم و ما هم فما اغتربوا و إنما هم أهل شهود في وجود و إنما أضيف إليهم الوجود من أجل حدوث الأحكام إذ لا تظهر إلا من موجود فمرتبة الغربة ليست من منازل الرجال فهي منزلة أدنى ينزلها المتوسطون و المريدون و أما الأكابر فما يرون أنه اغترب شيء عن وطنه بل الواجب واجب و الممكن ممكن و المحال محال فتعين وطن كل مستوطن و لو قامت غربة بهم لانقلبت الحقائق و عاد الواجب ممكنا و الممكن واجبا و المحال ممكنا و الأمر ليس كذلك و الغربة عند العلماء بالحقائق في هذا المقام غير موجودة و لا واقعة وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

«الباب الأحد و الثلاثون و مائتان في المكر»



يستدرج العاقل في عقله من حيث لا يعلمه الماكر
و مكره عاد عليه و ما يدري بذاك الفطن الخابر
فمن أراد الأمن من مكره ليحصل الباطن و الظاهر
يحقق الميزان من شرعه فيعلم الرابح و الخاسر

[أن المكر يطلقه على إرداف النعم مع المخالفة]

اعلم أن المكر يطلقه أهل اللّٰه على إرداف النعم مع المخالفة و إبقاء الحال مع سوء الأدب و إظهار الآيات من غير أمر و لا حد و اعلم أنه من المكر عندنا بالعبد أن يرزق العبد العلم الذي يطلب العمل و يحرم العمل به و قد يرزق العمل و يحرم الإخلاص فيه فإذا رأيت هذا من نفسك أو علمته من غيرك فاعلم إن المتصف به ممكور به و لقد رأيت في

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 529
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست