responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 501

بالعين الواحدة و لا بالظاهر في المظاهر لأن الكثير مشهود لا الكثرة فالكثرة معقولة و الكثير موجود مشهود فمن هنا ظهر حكم حال الغيرة في الأشياء و اتصف بالغيرة إلا له و الشيء لا يكون غير نفسه إلا إذا كان الشيء أشياء فيكون كل شيء غيرا للشيء الآخر و الحق ليس بأشياء فلا يقبل الغير و قد اتصف بأنه غيور و من غيرته حرم الفواحش : فتدبر ما ذكرناه حتى تعرف ما الفاحشة و ما الفعل المسمى فاحشة و غير فاحشة فالغير على الحقيقة ثابت لا ثابت هو لا هو

فأما
حال الغيرة في الحق

و هي الغيرة التي تكون عند رؤية المنكر و الفواحش و هي التي اتصف الحق بها و الملأ الأعلى و الرسل و صالحو المؤمنين على إن الغيرة مركوزة في الطبع فلا بد منها إلا أنها تنقسم إلى محمود و مذموم و كلامنا في المحمود منها و هي الغيرة في الحق و هي من أشكل المسائل فإنه تعالى من غيرته حرم الفواحش ثم إذا وقعت الفواحش في الكون لم نره يسرع بالأخذ عليها لا دنيا و لا آخرة فعلمنا إن ثم مانعا أقوى يمنع من ذلك يكون ذلك المانع أعظم إحاطة و تكون نسبته إلى الغيرة نسبة العلم الإلهي إلى القدرة الإلهية فإن القدرة و إن تعلقت بما لا يتناهى من الممكنات فلا تشك أن العلم أكثر إحاطة منها لأنه يتعلق بها و بالممكنات و الواجبات و المستحيلات و الكائنات و غير الكائنات مع ما يعطي الدليل أن ما لا يتناهى لا يفضل ما لا يتناهى كذلك السبب الموجب لترك المؤاخذة على ما يقع عمن يأتي ما وقعت عليه الغيرة و لا بد أن يكون أقوى من حال الغيرة هذا كله في حق الحق و أما في حق المخلوق فلا بد من تغيير النفس و هو مكلف بها في الحق لا بد من ذلك و مذموم من لم يجد ذلك من المكلفين فإنه مخاطب بتغييره من يده بالفعل إلى لسانه بالقول إلى وجود ذلك في النفس و هو أضعف الايمان في الزمان لا في نفس الغيور فحال الغيرة هو ما يجده الغيور من اختلاف الأمر عليه في نفسه عند وقوع ما لا يرضى اللّٰه سواء وقع ذلك منه أو من غيره بل من هذه صفته هو معصوم فإن من وقع منه ما يوجب الغيرة و لا يغار و إذا رأى ذلك من الغير أدركته الغيرة فليست بغيرة حقية إلهية و إنما هي غيرة نفسية لا قربة فيها إلى اللّٰه تعالى تلك هي الغيرة الإلهية الصحيحة و لكن لا يشعر بها كثير من أهل اللّٰه إلا من عرف الحق حق معرفته فإن اللّٰه هو الغيور الأعظم في الغيرة من المخلوق و هو الفاعل للأمر الذي يوجب الغيرة و لا يؤاخذ على ذلك أخذ عموم فكذلك من توجد منه الغيرة في حق زيد لفعل خاص و إذا وقع منه ذلك الفعل لا يجد غيرة فلهذا قلنا صاحب هذا الحال أحق و أقرب للاتصاف بالنعت الإلهي بالغيرة من الذي يغار مطلقا في حق نفسه و غيره و من أجل ذلك سمي معصوما أو محفوظا فلم يقع منه ما يوجب الغيرة و هو السعيد في العموم المثنى عليه في الشرع و الآخر يذم كما يذم الجبار من المخلوقين و إن كان الجبروت وصفا إلهيا كذلك خصوص الغيرة لا ينبغي للمؤمن أن يتصف بذلك بل تعم غيرته في الحق و حينئذ يحمده اللّٰه تعالى و يثني عليه فقد نبهتك على سر من أسرار الغيرة لتستريح إليه إن تفطنت له و لا تستعمله فتشقى بل كن لله غيورا في الحق مطلقا من غير تقييد

و أما حال الغيرة على الحق

و هي كتمان السرائر و الأسرار و تلك حالة الأخفياء الأبرياء من الملامية المجهولين المجهولة مقاماتهم فلا يظهر عليهم أمر إلهي يعرف به إن لله عناية بهم فأحوالهم تستر مقامهم لحكمة الموطن فإنهم لا يظهرون في محل النزاع إذ كان سيدهم و هو اللّٰه تعالى قد نوزع في ألوهيته في هذه الدار و هذه الطائفة متحققة بسيدها فمنعهم ذلك التحقق أن يظهروا في الموطن الذي استتر سيدهم فيه فجروا مع العامة على ما هي العامة عليه من ظاهر الطاعات التي لم تجر العادة في العرف أن يسموا بها أنهم من أهل اللّٰه لأنهم ما ظهر منهم ما يتميزون به عن العامة من الأفعال كما ظهر من بعض الأولياء من خرق العوائد في الأحوال أو من تتبع تغيير المنكرات إذا بدت تغييرا يتميز به عن التغيير العام بحيث أن يشار إليه فيه فهذه حال الغيرة على الحق

و أما حال الغيرة من الحق

و هي ضنته بأوليائه حيث سترهم عن سائر عباده فحبب إليهم الستر و وفقهم للمعرفة بحكم الموطن فاتصفوا بصفة سيدهم فكانوا عنده خلف حجب العوائد فهم ضنائن اللّٰه و عرائسه فهم عنده كهو عندهم فما يشاهدون سواه و لا ينظر هو إلا إليهم فمن أراد أن يعرفهم فليسلك مسلك الغيرة على الحق فينتظم في سلكهم و أما قول بعضهم في الغيرة على الحق أن يذكر بالسنة الغافلين فكل لسان ذكره فليس بغافل بل له ثمرة صحيحة ينالها الذاكر و هو اللسان و إن لم تقرن به نية من نفس صاحب ذلك اللسان فما ذكره ذاكر بغفلة قط بل ذلك من قوله تعالى وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ مثل هؤلاء

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 501
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست