responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 37

فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ فهم علماء أهل تقوى طرأ عليهم خاطر حسن أصله شيطاني فوجدوا له ذوقا خاصا لا يجدونه إلا إذا كان من الشيطان فيذكرهم ذلك الذوق بأن ذلك الخاطر من الشيطان فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ أي مشاهدون له بالذوق فإن اقتضى العلم أخذه و قلب عينه ليحزن بذلك الشيطان أخذه و لم يلتفت منه و كان من المبصرين فعلم كيف يأخذ ما يجب أخذه من ذلك ففرق بينه و بين ما يجب تركه كما

قال عيسى عليه السلام لما قال له إبليس حين تصور له على أنه لا يعرفه فقال له يا روح اللّٰه قل لا إله إلا اللّٰه رجاء منه أن يقول ذلك لقوله فيكون قد أطاعه بوجه ما و ذلك هو الايمان فقال له عيسى عليه السلام أقولها لا لقولك لا إله إلا اللّٰه فجمع بين القول و مخالفة غرض الشيطان لا امتثالا لأمر الشيطان فمن عرف كيف يأخذ الأشياء لا يبالي على يدي من جاء اللّٰه بها إليه و إن اقتضى العلم رد ذلك في وجهه رده فهذا معنى قوله تَذَكَّرُوا و لا يكون التذكر إلا لمعلوم قد نسي فَإِذٰا هُمْ مُبْصِرُونَ أي رجع إليهم نظرهم الذي غاب عنهم رجع بالتذكر

[الأولياء المهاجرون]

و من الأولياء أيضا المهاجرون و المهاجرات رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بالهجرة بأن ألهمهم إليها و وفقهم لها قال تعالى وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ فالمهاجر من ترك ما أمره اللّٰه و رسوله بتركه و بالغ في ترك ذلك لله خالصا من كل شبهة عن كرم نفس و طواعية لا عن كره و إكراه و لا رغبة في جزاء بل كرم نفس بمقاساة شدائد يلقاها من المنازعين له في ذلك و يسمعونه ما يكره من الكلام طبعا فيتغير عند سماعه و يكون ذلك كله عن اتساع في العلم و الدءوب على مثل هذه الصفة و تقيده في ذلك كله بالوجوه المشروعة لا بأغراض نفسه و يكون به كمال مقامه فإذا اجتمعت هذه الصفات في الرجل فهو مهاجر فإن فاته شيء من هذه الفصول و النعوت فاته من المقام بحسب ما فاته من الحال و إنما قلنا هذا كله و اشترطناه لما سماه اللّٰه مهاجرا وَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فكل ما يدخل تحت هذا اللفظ مما ينبغي أن يكون وصفا حسنا للعبد فيسمى به صاحب هجرة اشترطناه في المهاجر لانسحاب هذه الحقيقة اللفظية في نفس الوضع على ذلك المعنى الذي اشتق من لفظه هذا الاسم

[الأولياء المشفقون]

و من الأولياء أيضا المشفقون من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بالإشفاق من خشية ربهم قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ يقال أشفقت منه فإنا مشفق إذ حذرته قال تعالى مِنْ عَذٰابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إِنَّ عَذٰابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ أي حذرون من عذاب ربهم غير آمنين يعني وقوعه بهم و لا يقال أشفقت منه إلا في الحذر و يقال أشفقت عليه إشفاقا من الشفقة و الأصل واحد أي حذرت عليه فالمشفقون من الأولياء من خاف على نفسه من التبديل و التحويل فإن أمنه اللّٰه بالبشرى مع إشفاقه على خلق اللّٰه مثل إشفاق المرسلين على أممهم و من بشر من المؤمنين و هم قوم ذوو كبد رطبة لهم حنان و عطف إذا أبصروا مخالفة الأمر الإلهي من أحد ارتعدت فرائصهم إشفاقا عليه إن ينزل به أمر من السماء و من كان بهذه المثابة فالغالب على أمره إنه محفوظ في أفعاله فلا يتصور منه مخالفة لما تحقق به من صفة الإشفاق فلما كانت ثمرة الإشفاق الاستقامة على طاعة اللّٰه أثنى اللّٰه عليهم بأنهم مشفقون للتغيير الذي يقوم بنفوسهم عند رؤية الموجب لذلك مأخوذ من الشفق الذي هو حمرة بقية ضوء الشمس إذا غربت أو إذا أرادت الطلوع

[الأولياء الموفون بعهد اللّٰه]

و من الأولياء الموفون بعهد اللّٰه من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بالوفاء قال تعالى وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذٰا عٰاهَدُوا و قال اَلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ وَ لاٰ يَنْقُضُونَ الْمِيثٰاقَ و هم الذين لا يغدرون إذا عهدوا و من جملة ما سأل قيصر ملك الروم عنه أبا سفيان بن حرب حين سأله عن صفة النبي صلى اللّٰه عليه و سلم هل يغدر فالوفاء من شيم خاصة اللّٰه فمن أتى في أموره التي كلفه اللّٰه أن يأتي بها على التمام و كثر ذلك في حالاته كلها فهو وفي و قد وفى قال تعالى وَ إِبْرٰاهِيمَ الَّذِي وَفّٰى و قال تعالى وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً يقال وفى الشيء وفيا على فعول بضم فاء الفعل إذا تم و كثروهم على أشراف على الأسرار الإلهية المخزونة و لهذا يقال أوفى على الشيء إذا أشرف فمن كان بهذه المثابة من الوفاء بما كلفه اللّٰه و أشرف على ما اختزنه اللّٰه من المعارف عن أكثر عباده فذلك هو الوفي و من توفاه اللّٰه في حياته في دار الدنيا أي آتاه من الكشف ما يأتي للميت عند الاحتضار إذ كانت الوفاة عبارة عن إتيان الموت فإذا طولع العبد على هذه المرتبة أوجبت له الوفاء بعهود اللّٰه التي أخذها عليه فقد يكون الوفاء لأهل هذه الصفة سبب الكشف و قد يكون الكشف في

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 37
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست