responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 353



و تقليبي مع الهجران عندي ألذ من العناق مع الوصال
فإني في الوصال عبيد نفسي و في الهجران عبد للموالي
و شغلي بالحبيب بكل وجه أحب إلي من شغلي بحالي
ففي هذا الشعر ايثار مآثره المحبوبة و يتضمن ما أشرنا إليه في كلامنا قبله و أما قولنا إن المحبوب صفة المحب فيما ذكرناه فهو

قوله تعالى فإذا أحببته كنت سمعه و بصره فجعل عينه سمع العبد و بصره فأثبت أنه صفته فما أحب المحب البعد إلا بمحبوبه و هذا غاية الوصلة في عين البعد

(منصة و مجلى)نعت المحب بأنه خائف من ترك الحرمة في إقامة الخدمة

و ذلك أنه لا يخاف من هذا إلا عارف متوسط لم يبلغ التحقيق في المعرفة إلا أنه يشعر به من غير ذوق سوى ذوق الشعور و هو محب و المحب مطيع لمحبوبه في جميع أوامره و تحقيق الأمر يعطي أن الآمر عين المأمور و المحب عين المحبوب إلا إن الظاهر يظهر بحسب ما تعطيه حقيقة المظهر و بالمظاهر تظهر التنوعات في الظاهر و تختلف الأحكام و الأسامي و بها يظهر الطائع و العاصي فالذي هو في مقام الشعور و لم يحصل في حد أن ينزل الأشياء منازلها في الظاهر يخاف أن يصدر منه ما يناقض الحرمة في خدمته إذ يقول ليس إلا هو كما يذهب إلى ذلك من يرى الأعيان عينا واحدة و لكن لا يعرف كيف فلا يزال يسيء الأدب لأنه أخذ ذلك عن غير ذوق و هذا مذهب من يرى أن المدبر أجسام الناس روح واحدة و أن عين روح زيد هو عين روح عمرو و فيه من الغلط ما قد ذكرناه في غير هذا الموضع و هو أنه يلزم ما يعلمه زيد لا يجهله عمرو لأن العالم من كل واحد عين روحه و هو واحد و الشيء الواحد لا يكون عالما بالشيء جاهلا به فيخاف المحب إن صدرت منه قلة حرمة بهفوة و غلط أن يستند فيها بعد وقوعها إلى ما ذكرناه فيحصل في قلة المبالاة بما يظهر عليه من ذلك و المحبة تأبى إلا حرمة المحبوب و إن كان المحب مدلا بحبه لغلبة الحب عليه و أنه يرى نفسه عين محبوبه فيقول

أنا من أهوى و من أهوى أنا
فهذا سبب خوفه لا غير

(منصة و مجلى)نعت المحب أن يستقل الكثير من
نفسه في حق ربه

و يستكثر القليل من حبيبه و ذلك أنه يفرق بين كونه محبا لما يرى في نفسه من الانكسار و الذلة و الدهش و الحيرة التي هي أثر الحب في المحبين و يرى نخوة المحبوب و تيهه و رياسته و إعجابه عليه فيرى أنه إذا أعطاه جميع ما يملكه فهو قليل لما أعطاه من نفسه و أن حق محبوبه أعظم عنده من حق نفسه بل لا يرى لنفسه حقا و إن كان في الحقيقة ما يسعى إلا في حق نفسه هكذا تعطيه المحبة كان لبعض الملوك مملوك يحبه اسمه إياس فدخل على الملك بعض جلسائه و رأى قدمي المملوك في حجر الملك و الملك يكبسهما فتعجب فقال إياس يا هذا ما هذه أقدام إياس هذه قلب الملك في حجره يكبسه هذا معنى قولنا إن المحب في حق نفسه يسعى فإنه له في ذلك الفعل لذة عظيمة لا ينالها إلا بذلك الفعل فالمحبوب ممتن عليه إذ أمكنه مما تقع للمحب به لذة من المحبوب فيرى المحب أي شيء جاء من المحبوب فهو كثير فهو إنعام سيد على عبد و أي شيء كان من المحب في حق المحبوب و لو كان تلف الروح و المهجة في رضاه لكان قليلا لأنه طاعة عبد لسيد محسان و ما قدروا اللّٰه حق قدره فالمحبوب غني فقليله كثير و المحب فقير فكثيره قليل و لكن و إن كان هذا نعت المحب عندهم فهو نعت محب ناقص المعرفة كثير الحب على عماية لأن المحب إذا كان المخلوق ليس له حتى يستقل أو يستكثر و أما إذا كان المحب اللّٰه فإنه يستكثر القليل من عبده و هو قوله فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ و لاٰ يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا و أما استقلاله الكثير في حق أحبابه من عباده فإن ما عند اللّٰه ما له نهاية و دخول ما لا نهاية له في الوجود محال فكل ما دخل في الوجود فهو متناه فإذا أضيف ما تناهي إلى ما لا يتناهى ظهر كأنه قليل أو كأنه لا شيء و إن كان كثيرا و هنا نظر يطول فاقتصرنا

(منصة و مجلى)نعت المحب يعانق طاعة محبوبه و يجانب مخالفته

قال شاعرهم

تعصى الإله و أنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
المحب عبد و العبد من وقف عند أوامر سيده و تجنب مخالفة أوامره و نواهيه فلا يراه حيث نهاه و لا يفقده حيث أمر

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 353
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست