responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 352

منصة و مجلى نعت المحب بأنه كثير التأوه

و هو قوله إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ وصف الحق من كونه اسمه الرحمن أن له نفسا ينفس به عن عباده و في ذلك النفس ظهر العالم و لذلك جعل تكوين العالم بقول كُنْ و الحرف مقطع الهواء فالهواء يولده ما هو هو لأنه لا يظهر الحرف إلا عند انقطاع الهواء و الهواء نفس و لهذا الهواء في العناصر هو نفس الطبيعة و لهذا يقبل الحروف و هو ما يظهر فيه من الأصوات عند الهبوب و الظاهر من تلك الأصوات حرف الهاء و الهمزة و هما أقصى المخارج مخارج الحروف فإنهما مما يلي القلب و هما أول حروف الحلق بل حروف الصدر فهما أول حرف يصوره المتنفس و ذلك هو التأوه لقربه من القلب الذي هو محل خروج النفس و انبعاثه فيظهر عنه جميع الحروف كما يظهر العالم بالتكوين عن قول كُنْ و هو سر عجيب سأذكره في باب النفس بفتح الفاء إن شاء اللّٰه فإذا تجلى الحق من قلب المحب و نظرت إليه عين البصيرة لأن القلب وسع الحق و رأى ما يقع من الذم على هذه النشأة الطبيعية و هي تحتوي على هذه الأسرار الإلهية و إنها من نفس الرحمن ظهرت في الكون فذمت و جهل قدرها فكثر منه التأوه لهذه القادحة لما يرى في ذلك من الوضوح و الجلاء و الناس في عماية عن ذلك لا يبصرون فيتأوه غيرة على اللّٰه و شفقة على المحجوبين

لكون النبي ص جعل كمال الايمان في المؤمن أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فلهذا يتأسف على من حرمه اللّٰه هذا الشهود و يتأوه لحبه في محبوبه من أجل ما يراه من عمى الخلق عنه و من شأن المحب الشفقة على المحبوب لأن الحب يعطي ذلك

منصة و مجلى نعت المحب بأنه يستريح إلى كلام محبوبه و ذكره بتلاوة ذكره

قال تعالى إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ فسمى كلامه ذكرا فاعلم إن أصل وجود الكون لم يكن عن صفة إلهية إلا عن صفة الكلام خاصة فإن الكون لم يعلم منه إلا كلامه و هو الذي سمع فالتذ في سماعه فلم يتمكن له إلا أن يكون و لهذا السماع مجبول على الحركة و الاضطراب و النقلة في السامعين لأن السامع عند ما سمع قول كن انتقل و تحرك من حال العدم إلى حال الوجود فتكون فمن هنا أصل حركة أهل السماع و هم أصحاب وجد و لا يلزم فيمن فإن الوجد لذاته يقتضي ما يقتضي و إنما المحبوب يختلف فالحب و الوجد و الشوق و جميع نعوت الحب وصف للحب كان المحبوب ما كان إلا أني اختصصت في هذا الكتاب الحب المتعلق بالله الذي هو المحبوب على الحقيقة و إن كان غير مشعور به في مواطن عند قوم و مشعورا به عند قوم و هم العارفون فما أحبوا إلا اللّٰه مع كونهم يحبون أرواحهم و أهليهم و أصحابهم فاعلم ذلك حتى إن بعض الصالحين حكى لنا عنه أنه قال إن قيسا المجنون كان من المحبين لله و جعل حجابه ليلى و كان من المولهين و أخذت صدق هذا القول من حكايته التي قال فيها لليلى إليك عني فإن حبك شغلني عنك و ما قربها و لا أدناها و من شأن الحب أن يطلب المحب الاتصال بالمحبوب و هذا الفعل نقيض المحبة و من شأن المحب أن يغشى عليه عند فجأة ورود المحبوب عليه و يدهش و هذا يقول لها إليك عني و ما دهش و لا فنى فتحقق عندي بهذا الفعل صدق ما قاله هذا العارف في حق قيس المجنون و ليس ببعيد فلله ضنائن من عباده فمن هناك استراح المحبون إلى كلام المحبوب و ذكره و القرآن كلامه و هو ذكر فلا يؤثرون شيئا على تلاوته لأنهم ينوبون فيه عنه فكأنه المتكلم كما قال فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ و التالي إنما هو محمد ص فأهل القرآن هم أهل اللّٰه و خاصته فهم الأحباب المحبون

منصة و مجلى نعت
المحب بأنه موافق لمحاب محبوبه

هذا ما يكون إلا من نعوت المحبين لله خاصة لكونه تعالى لا يحد و لا يتقيد و هو المتجلي في الاسم القريب كما يتجلى في الاسم البعيد فهو البعيد القريب قال المحب

و كل ما يفعل المحبوب محبوب
فإذا فعل البعد كان محبوبه البعد عن المحبوب لأنه محبوب المحبوب فإنه أحبه لحب المحبوب لا بنفسه و لا يحبه بحب المحبوب لا بنفسه حتى يكون المحبوب صفة له و إذا كان المحبوب من صفات المحب قام به و إذا قام به فهو في غاية الوصلة في عين البعد أوصل منه به في القرب لأنه في القرب بصفة نفسه لا بصفة محبوبه لأنه لا يقوم بالمحل علتان لمعلول واحد هذا لا يصح فما يحب القرب إلا لنفسه كما لا يحب البعد إلا بمحبوبه فهو في حب البعد أتم منه محبة في حب القرب و لنا في هذا المعنى

هوى بين الملاحة و الجمال يقاسيه القوي من الرجال
و يضعف عنه كل ضعيف قلب تقلب في النعيم و في الدلال

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 352
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست