responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 35

و ما من صفة للرجال إلا و للنساء فيها مشرب تولاهم اللّٰه بالحلم و هو ترك الأخذ بالجريمة في الحال مع القدرة على ذلك فلم يعجل فإن العجلة بالأخذ عقيب الجريمة دليل على الضجر و حكمه في المستأنف في المشيئة فالحليم هو الذي لا يعجل مع القدرة و ارتفاع المانع و العلم السابق مانع و هو محجوب عن العبد قبل الاتصاف بصفة الحلم فالعبيد على الحقيقة إذا لم يعجلوا بالأخذ عقيب الجريمة مع القدوة هم الحلماء فإنهم لا علم لهم سابق يمنع من وقوع الأخذ لا في نفس الأمر فإن حلم العبد من العلم الإلهي السابق و لا يشعر به العبد حتى تقوم به صفة الحلم فحينئذ يعلم ما أعطاه حكم علم اللّٰه في حكمه و لهذا أن تقدمه العلم بذلك لا يسمى حليما على جهة التشريف

[حلم الحق و حلم العبد]

فالحق يوصف بالحلم لعدم الأخذ لا على طريق التشريف و العبد ينعت بالحليم لعدم الأخذ أيضا و لكن على طريق التشريف لجهله بما في علم اللّٰه من ذلك قبل اتصافه بعدم المؤاخذة و الإمهال من غير إهمال فشرف الحق بالعلم لا بالحلم و شرف العبد بالحلم لا بالعلم لجهله بذلك فإن علم قبل قيام صفة الحلم به لم يكن له الحلم تشريفا فالأمر فيه بمنزلة من هو مجبور في اختياره فلا يثني عليه بالاختيار إلا مع رفع العلم عنه بالجبر في ذلك الاختيار سواء لأن الاختيار يناقض الجبر فيعلم الإنسان عند ذلك ما هو المراد بالاختيار و يرى أنه ما ثم في الوجودين إلا الجبر من غير إكراه فهو مجبور غير مكره و هذه المسألة من أعظم المسائل في المعارف و كم هلك فيها من الخلق قديما و حديثا

[الأولياء الأواهون]

و من الأولياء أيضا الأواهون من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم لقيت منهم امرأة بمرشانة لزيتون من بلاد الأندلس تدعى بشمس مسنة تولى اللّٰه هذا الصنف بالتأوه مما يجدونه في صدورهم من ردهم لقصورهم من عين الكمال و النفوذ و يكون عن وجود أو عن وجود وجد على مفقود أثنى اللّٰه تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام بذلك إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّٰاهٌ و لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ فتأوه لما رأى من عبادة قومه ما نحتوه و حلم فلم يعجل بأخذهم على ذلك مع قدرته عليهم بالدعاء عليهم و لهذا سمي حليما فلو لم يقدر و لا مكنه اللّٰه من أخذهم ما سماه سبحانه حليما و لكنه عليه السلام علم أنه في دار الامتزاج و التحول من حال إلى حال فكان يرجو لهم الايمان فيما بعد فهذا سبب حلمه وجود الموطن الذي يقتضي التحول من العبد و القبول من اللّٰه فلو علم من قومه ما علم نوح عليه السلام حيث قال وَ لاٰ يَلِدُوا إِلاّٰ فٰاجِراً كَفّٰاراً ما حلم عنهم فالأواه هو الذي يكثر التأوه لبلواه و لما يقاسيه و يعانيه مما يشاهده و يراه و هو من باب الغيرة و الحيرة و التأوه أمر طبيعي لا مدخل له في الأرواح من حيث عروها عن الامتزاج بالطبع

[الأولياء الأجناد الإلهيون]

و من الأولياء الأجناد الإلهيون الذين لهم الغلبة على الأعداء من رجال و نساء رضي اللّٰه عنهم قال تعالى وَ إِنَّ جُنْدَنٰا لَهُمُ الْغٰالِبُونَ فأضافهم إليه سبحانه من اسمه الملك فهم عبيد الملك و هنا سر فإن العالم أجناده سلط بعضهم على بعض وَ مٰا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّٰ هُوَ أي ما يحصيهم عددا تولى اللّٰه طائفة منهم بالعناية الإلهية فأضافهم إلى نفسه بضمير الكناية عن ذاته و لم يصرح باسم إلهي معين منصوص عليه اكتفاء بتسميتهم جندا و الأجناد لا تكون إلا للملك فبين أنهم أهل عدة إذ كانت العدة من خصائص الأجناد التي تقع بها الغلبة على الأعداء و الأعداء الذين في مقابلة هؤلاء الأجناد الشياطين و الأهواء و المصارف المذمومة كلها و سلطانهم الهوى و عدة هؤلاء الجند التقوى و المراقبة و الحياء و الخشية و الصبر و الافتقار و الميدان الذي يكون فيه المصاف و المقابلة إذا ترا آي الجمعان بينهم و بين الأعداء هو العلم في حق بعض الأجناد و الايمان في حق بعضهم و العلم و الايمان معا في حق الطبقة الثالثة من الجند

[الطبقات الثلاث الأجناد الأناية]

فإن أجناد الإنابة الذين لهم الغلبة على ثلاث طبقات الطبقة الخاصة العلية أهل علم بتوحيد اللّٰه و أهل علم برسول اللّٰه عن دليل عقلي برهاني و أهل إيمان مبناه على هذا العلم و الطبقة الثانية أهل علم بتوحيد اللّٰه عن دليل قطعي من جهة النظر لا عن علم ضروري يجدونه في نفوسهم فإنه من الجند فلا بد له من آلة يدفع بها العدو المنازع و لا يقدر يدفعه صاحب العلم الضروري لكونه عالما من هذا الوجه من غير دليل فإن العدو ما يندفع إلا بالدليل و ترتيبه و أصحاب العلم بالله من جهة الضرورة طائفة أخرى لا يتميزون في الأجناد و لا يتعرضون لدفع عدو بشبهة قادحة و الطبقة الثالثة أهل إيمان لا أهل علم فهم أهل إيمان يكون عنه خرق عوائد يقوم لهم ذلك مقام الأدلة للعالم فيدفعون بخرق العوائد أعداء اللّٰه و أعداءهم كما يدفعه صاحب الدليل فمثل هذه الطبقة هم المسمون جندا

[المؤمنون الذين ليسوا بأجناد الأناية]

و أما المؤمنون الذين ليس عندهم خرق عادة لدفع عدو

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 35
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست