responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 343

غير اللّٰه الذي أنزل بهم هذا البلاء فَمٰا وَهَنُوا لِمٰا أَصٰابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ مٰا ضَعُفُوا عن حمله لأنهم حملوه بالله و إن شق عليهم لا بد من ذلك و إن لم يشق عليهم فليس ببلاء وَ مَا اسْتَكٰانُوا لغير اللّٰه في إزالته و لجئوا إلى اللّٰه في إزالته كما قال العبد الصالح مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ فرفع الشكوى إليه لا إلى غيره فأثنى اللّٰه عليه بأنه وجده صابرا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ مع هذه الشكوى فدل إن الصابر يشكو إلى اللّٰه لا إلى غيره بل يجب عليه ذلك لما في الصبر إن لم يشك إلى اللّٰه من مقاومة القهر الإلهي و هو سوء أدب مع اللّٰه و الأنبياء ع أهل أدب و هم على علم من اللّٰه فإنك تعلم أن صبرك ما كان إلا بالله ما كان من ذاتك و لا من حولك و قوتك فإن اللّٰه يقول وَ اصْبِرْ وَ مٰا صَبْرُكَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ فبأي شيء تفتخر و هو ليس لك فما ابتلى اللّٰه عباده إلا ليلجئوا في رفع ذلك إليه و لا يلجئوا في رفعه إلى غيره فإذا فعلوا ذلك كانوا من الصابرين و هو محبوب اللّٰه و من أسمائه تعالى النعتية الصبور فما أحب إلا من رأى خلعته عليه ثم إن هنا سرا و أقامك فيه مقامه فإن الصبر لا يكون إلا على أذى و قد عرفنا إن في خلقه من يؤذي اللّٰه و رسوله و نعتهم لنا لنعرفهم فندفع ذلك الأذى عنه تعالى بمقاتلتهم أو بتعليمهم إن كانوا جاهلين طالبين العلم و قد سمي نفسه صبورا و قد رفع إلينا ما أوذى به و عرفنا بهم لنذب عنه و ندفع الأذى مع الاتصاف بالصبور لنعلم أنا إذا شكونا إليه ما نزل من البلاء و سألناه في رفعه عنا و سؤالنا إياه لا يزول عنا اسم الصبر فلا تزول عنا محبته كما لم يزل عنه اسم الصبور بتعريفه إيانا من أذاه حتى ندفع عنه فإنه

ورد في الصحيح ليس أحد أصبر على أذى من اللّٰه فاجعل بالك لما نبهناك عليه

[إن اللّٰه يحب الشاكرين]

و من ذلك حب الشاكرين فوصف الحق نفسه في كتابه إنه يحب الشاكرين و الشكر نعمته فإنه شٰاكِرٌ عَلِيمٌ فما أحب من العبد إلا ما هو صفة له و نعت و الشكر لا يكون إلا على النعم لا على البلاء كما يزعم بعضهم ممن لا علم له بالحقائق لأنه تعالى أبطن نعمته في نقمته و نقمته في نعمته فالتبس على من لا علم له بالحقائق أي بحقائق الأمور فتخيل أنه يشكر على البلاء و ليس بصحيح كشارب الدواء المكروه و هو من جملة البلاء و لكن هو بلاء على من يهلك به و هو المرض الذي لأجله استعمله فالألم هو عدو هذا الدواء إياه يطلب و لكن لما قام البلاء بهذا المحل الواجد للألم ورد عليه المنازع الذي يريد إزالته من الوجود و هو الدواء فوجد المحل لذلك كراهة و علم أنه في طي ذلك المكروه نعمة لأنه المزيل للألم فشكر اللّٰه تعالى على ما فيه من النعمة و صبر على ما يكره من استعماله لعلمه بأنه طالب ذلك الألم حتى يزيله فما سعى إلا في راحة هذا المحل فتفطن لهذا فلهذا كان شاكرا فلما شكره على ما في هذا المكروه من النعمة الباطنة زاده نعمة أخرى و هي العافية و إزالة المرض و تصبره الدواء الكرة عليه و لذلك قال لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فزاده العافية و كذلك أيضا لما أوذى الحق و سعينا في إزالة ذلك المؤذي بأن آذيناه أو سسناه حتى رجع عن الأمر الذي كان يؤذي الحق به فإن كنا قد آذينا هذا المؤذي بقتال و أمثاله كان ذلك للحق بمنزلة شرب الدواء الذي يكرهه المريض في الحال و يراه نعمة لما فيه من إزالة ذلك الأمر المؤذي و إنما قلنا ذلك لأن الكل من فعله و قضائه و قدره و

قد أوحى اللّٰه لنبيه داود أن يبني له بيتا يعني بيت المقدس فكلما بناه تهدم فقال له ربه فيما أوحى إليه أنه لا يقوم على يديك فإنك سفكت الدماء فقال له يا رب ما كان ذلك إلا في سبيلك فقال صدقت ما كان إلا في سبيلي و مع هذا أ ليسوا عبيدي فلا يقوم هذا البيت إلا على يد مطهرة من سفك الدماء فقال يا رب اجعله مني فأوحى اللّٰه إليه أنه يقوم على يد ولدك سليمان فبناه سليمان ع فهذا عين ما نبهتك عليه إن تفطنت و من هنا تعرف الأمر على ما هو عليه و أن مبني الأمر الإلهي أبدا على هو لا هو فإن لم تعرفه كذا فما عرفته وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ فهذا عين ما قلناه من أنه هو لا هو و هنا حارت عقول من لم يشاهد الحقائق على ما هي عليه فلما أزال العبد هذا الأذى عن جناب الحق و إن كان فيه ما في استعمال الدواء شكره اللّٰه على ذلك و الشكر يطلب المزيد فطلب من عباده سبحانه بشكره أن يزيدوه فزادوه في العمل و هو

قوله ع أ فلا أكون عبدا شكورا فزاد في العبادة لشكر اللّٰه له شكرا فزاد الحق في الهداية و التوفيق في موطن الأعمال حتى إلى الآخرة حيث لا عمل و لا ألم على السعداء و أما التنبيه على استعمال الدواء الكرة في إماطة الأذى عن اللّٰه فقد أبان عنه الحق في

قوله في قبضه نسمة عبده المؤمن فوصف نفسه تعالى بأنه يكره مساءة عبده لكون العبد يكره الموت و لا بد له منه مع أنه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست