responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 342

أساء إليه من أمثاله و أشكاله فرجع عليه بالإحسان إليه و التجاوز عن إساءته فذلك هو التواب ما هو الذي رجع إلى اللّٰه فإنه لا يصح أن يرجع إلى اللّٰه إلا من جهل إن اللّٰه معه على كل حال و ما خاطب الحق بقوله تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّٰهِ إلا من غفل عن كون اللّٰه معه على كل حال كما قال وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ و نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ فإن رجعت إليه من حيث حساب أو سؤال فذلك رجوع في الحقيقة من حال أنت عليها لحال ما أنت عليها و لما كانت الأحوال كلها بيد اللّٰه أضيف الرجوع إلى اللّٰه على هذا الوجه فالراجع إلى اللّٰه إنما يرجع من المخالفة إلى الموافقة و من المعصية إلى الطاعة فهذا معنى حب التوابين فإذا كنت من التوابين على من أساء في حقك كان اللّٰه توابا عليك فيما أسأت من حقه فرجع عليك بالإحسان فهكذا فلتعرف حقائق الأمور و تفهم معاني خطاب اللّٰه عباده و تميز بين المراتب فتكون من العلماء بالله و بما قاله و جاء ذكره لهذه المحبة في التوابين عقب ذكر الأذى الذي جعله في المحيض و كذلك

قال ع إن اللّٰه يحب كل مفتن تواب أي مختبر يريد أن يختبره اللّٰه بمن يسيء إليه من عباد اللّٰه فيرجع عليهم بالإحسان إليهم في مقابلة إساءتهم و هو التواب لا إن اللّٰه يختبر عباده بالمعاصي حاشا اللّٰه أن يضاف إليه مثل هذا و إن كانت الأفعال كلها لله من حيث كونها أفعالا و ما هي معاصي إلا من حيث حكم اللّٰه فيها بذلك فجميع أفعال اللّٰه حسنة من حيث ما هي أفعال فافهم ذلك و من ذلك حبه للمتطهرين قال تعالى وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فالتطهير صفة تقديس و تنزيه و هي صفته تعالى و تطهير العبد هو أن يميط عن نفسه كل أذى لا يليق به أن يرى فيه و إن كان محمودا بالنسبة إلى غير و هو مذموم شرعا بالنسبة إليه فإذا ظهر نفسه من ذلك أحبه اللّٰه تعالى كالكبرياء و الجبروت و التفخر و الخيلاء و العجب فمنها صفات لا تدخل القلب جملة واحدة للطابع الإلهي الذي على القلوب و هو قوله كَذٰلِكَ يَطْبَعُ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّٰارٍ فيظهر في ظاهره الكبرياء و الجبروت على من استحق من قومه إما في زعمه و تحيله و إما في نفس الأمر و هو في قلبه معصوم من ذلك الكبرياء و الجبروت لأنه يعلم عجزه و ذلته و فقره لجميع الموجودات و أن قرصة البرغوث تؤلمه و المرحاض يطلبه لدفع ألم البول و الخراءة عنه و يفتقر إلى كسيرة خبز يدفع بها عن نفسه ألم الجوع فمن صفته هذه كل يوم و ليلة كيف يصح أن يكون في قلبه كبرياء و جبروت و هذا هو الطبع الإلهي على قلبه فلا يدخله شيء من ذلك و أما ظهور ذلك على ظاهره فمسلم و لكن جعل اللّٰه لها مواطن يظهر فيها بهذه الأوصاف و لا يكون مذموما و جعل لها مواطن يذمه فيها فمن طهر ذاته عن أن ترى عليه هذه النعوت في غير مواطنها فهو متطهر و يحبه اللّٰه كما نفى محبته عن كل مختال فخور : فإنه لا يظهر بهذه الصفة إلا من هو جاهل و الجهل مذموم و لهذا نهى اللّٰه نبيه ص أن يكون جاهلا : و قال لنوح ع إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجٰاهِلِينَ فإنه لا يخلو أن يفتخر على مثله أو على ربه و خالقه فإن افتخر على مثله فقد افتخر على نفسه و الشيء لا يفتخر على نفسه ففخره و اختياله جهل و محال أن يفتخر على خالقه لأنه لا بد إن يكون عارفا بخالقه أو غير عارف بأن له خالقا فإن عرف و افتخر عليه فهو جاهل بما ينبغي أن يكون لخالقه من نعوت الكمال و إن لم يعرف كان جاهلا فما أبغضه اللّٰه و لم يحبه إلا لجهله إذ لم يكن هذا في غير موطنه إلا لجهله و الجهل موت و العلم حياة و هو قوله تعالى أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ يعني بالعلم وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّٰاسِ و ذلك نور الايمان و الكشف الذي أوحى اللّٰه به إليه أو امتن به عليه فالمتطهر من مثل هذه النعوت محبوب لله فافهم

[إن اللّٰه يحب المطهرين]

و من ذلك حبه المطهرين قال اللّٰه تعالى وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ و هم الذين طهروا غيرهم كما طهروا نفوسهم فتعدت طهارتهم إلى غيرهم فقاموا فيها مقام الحق نيابة عنه فإنه المطهر على الحقيقة و الحافظ و العاصم و الواقي و الغافر فمن منع ذاته و ذات غيره إن يقوم بها ما هو مذموم في حقها عند اللّٰه فقد عصمها و حفظها و وقاها و سترها عن قيام أمثال هذه بها فهو مطهر لها بما علمها من علم ما ينبغي لينفر عنه بنور العلم و حياته ظلمة الجهالة و موتها فيكون في ميزانه يوم القيامة و من الأنوار التي تسعى بين يديه و هو محبوب عند اللّٰه مخصوص بعناية ولاية إلهية و استخلاف و الولاة الخلفاء من المقربين ممن استخلفهم عليهم لأنهم موضع مقصور من استخلفهم دون غيرهم و كل إنسان وال على جوارحه فما فوق ذلك و قد أعلمه اللّٰه بما هي الطهارة التي يطهر بها رعاياه

[إن اللّٰه يحب الصابرين]

و من ذلك حبه للصابرين و هو قوله وَ اللّٰهُ يُحِبُّ الصّٰابِرِينَ و هم الذين ابتلاهم اللّٰه فحبسوا نفوسهم عن الشكوى إلى

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست