responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 337

حبهم كان منقسما فاجتمع عليه في الآخرة لما لم يعاين محبوبه و هو الألوهة إلا فيه خاصة فلذلك كان سبق الرحمة و قوة الطرفين و ضعف الواسطة بما فيها من الشركة و قد بينا ذلك كله فيما تقدم فهذا الفرق بين الحب و الهوى و أما العشق فهو إفراط المحبة أو المحبة المفرطة و هو قوله في الذين آمنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّٰهِ و هو مع صفاته لو أخذ الذي هو مسمى الحب و ظهوره في حبة القلب الذي أيضا به سمي حبا فإذا عم الإنسان بجملته و أعماه عن كل شيء سوى محبوبه و سرت تلك الحقيقة في جميع أجزاء بدنه و قواه و روحه و جرت فيه مجرى الدم في عروقه و لحمه و غمرت جميع مفاصله فاتصلت بوجوده و عانقت جميع أجزائه جسما و روحا و لم يبق فيه متسع لغيره و صار نطقه به و سماعه منه و نظره في كل شيء إليه و رآه في كل صورة و ما يرى شيئا إلا و يقول هو هذا حينئذ يسمى ذلك الحب عشقا كما حكي عن زليخا أنها افتصدت فوقع الدم في الأرض فانكتب به يوسف يوسف في مواضع كثيرة حيث سقط الدم لجريان ذكر اسمه مجرى الدم في عروقها كلها و هكذا حكي عن الحلاج لما قطعت أطرافه انكتب بدمه في الأرض اللّٰه اللّٰه حيث وقع و لذلك قال رحمه اللّٰه

ما قد لي عضو و لا مفصل إلا و فيه لكم ذكر
فهذا من هذا الباب و هؤلاء هم العشاق الذين استهلكوا في الحب هذا الاستهلاك و هو الذي يسمى بالغرام و سيأتي ذكره في نعت المحبين إن شاء اللّٰه

[الود]

و أما الود فهو ثبات الحب أو العشق أو الهوى أية حالة كانت من أحوال هذه الصفة فإذا ثبت صاحبها الموصوف بها عليها و لم بغيره شيء عنها و لا أزاله عن حكمها و ثبت سلطانها في المنشط و المكره و ما يسوء و يسر في حال الهجر و الطرد من الموجود الذي يحب أن يظهر فيه محبوبه و لم يبرح تحت سلطانه لكونه مظهر محبوبه سمي لذلك ودا و هو قوله تعالى سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا أي ثباتا في المحبة عند اللّٰه و في قلوب عباده هذا معنى الود و للحب أحوال كثيرة جدا في المحبين سأذكرها إن شاء اللّٰه مثل الشوق و الغرام و الهيام و الكلف و البكاء و الحزن و الكبد و الذبول و الانكسار و أمثال ذلك مما يتصف به المحبون و يذكرونه في أشعارهم مفصلة إن شاء اللّٰه و قد يقع في الحب أغاليط كثيرة أولها ما ذكرناه و هو إنهم يتخيلون أن المحبوب أمر وجودي و هو أمر عدمي يتعلق الحب به أن يراه موجودا في عين موجودة فإذا رآه انتقل حبه إلى دوام تلك الحال التي أحب وجودها من تلك العين الموجودة فلا يزال المحبوب معدوما و ما يشعر بذلك أكثر المحبين إلا أن يكونوا عارفين بالحقائق و متعلقاتها و قد بينا ذلك و أكثر كلامنا في هذا الباب إنما هو في المحبة المفرطة فإنها تذهب بالعقول أو تورث النحول و الفكر الدائم و الهمم اللازم و القلق و الأرق و الشوق و الاشتياق و السهاد و تغيير الحال و كسوف البال و الوله و البله و سوء الظن بالمحبوب أعني الموجود الذي تحب ظهور محبوبك فيه الذي تزعم العامة فيه أنه المحبوب لها و نحن فيه على نوعين طائفة منا نظرت إلى المثال الذي في خيالها من ذلك الموجود الذي يظهر محبوبه فيه و يعاين وجود محبوبه و هو الاتصال به في خياله فيشاهده متصلا به اتصال لطف ألطف منه في عينه في الوجود الخارج و هو الذي اشتغل به قيس المجنون عن ليلى حين جاءته من خارج فقال لها إليك عني لئلا تحجبه كثافة المحسوس منها عن لطف هذه المشاهدة الخيالية فإنها في خياله ألطف منها في عينها و أجمل و هذا ألطف المحبة و صاحب هذا النعت لا يزال منعما لا يشكو الفراق و لنا في هذا النعت اليد الطولى بين المحبين فإن مثل هذا في المحبين عزيز الوجود لغلبة الكثافة عليهم و سبب ذلك عندنا أنه من استفرغ في حب المعاني المجردة عن المواد فغايته إذا كثفها أن ينزلها إلى الخيال و لا ينزل بها أكثر فمن كان أكشف حاله الخيال فما ظنك بلطافته في المعاني و هذا الذي حاله هذا هو الذي يمكن أن يحب اللّٰه فإن غايته في حبه إياه إذا لم يجرده عن التشبيه أن ينزله إلى الخيال و هو

قوله ع اعبد اللّٰه كأنك تراه فإذا أحببنا و نحن بهذه الصفة موجودا نحب ظهور محبوبنا فيه من المحسوسات عالم الكثائف نلطفه بأن نرفعه إلى الخيال لنكسوه حسنا فوق حسنه و نجعله في حضرة لا يمكنه الهجر معها و لا الانتقال عنها فلا يزال في اتصال دائم و لنا في ذلك

ما لمجنون عامر من هواه غير شكوى البعاد و الاغتراب
و أنا ضده فإن حبيبي في خيالي فلم أزل في اقتراب

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست