لكم كلام نفيس كله درر و ذا من الدر فلنلحقه في دررك (و مما يتضمنه هذا الباب في حب الحب قولنا)
و لما رأيت الحب يعظم قدره و مالي به حتى الممات يدان تعشقت حب الحب دهري و لم أقل كفاني الذي قد نلت منه كفاني فابد إلى المحبوب شمس اتصاله أضاء بها كوني و عين جناني و ذاب فؤادي خيفة من جلاله فوقع لي في الحين خط أمان و نزهني في روض إنس جماله فغبت عن الأرواح و الثقلان و أحضرني و السر مني غائب و غيبني و الأمر مني داني فإن قلت أنا واحد فوجوده و إن أثبتوا عيني فمزدوجان و لكنه مزج رقيق منزه يرى واحدا و العلم يشهد ثاني فقلت له و هو القوول و إنه عبارته المثلى جرت بلسان أيا من بدا في نفسه لنفيسه و لا عدد فالعين مني فإني فنفسك شاهدت النفيسة منعما بنفسك و انظر في المراة تراني فيا غائبا من كان هذا مقامه يرى في جنان الناعمات بجان فلا و الذي طارت إلى حسن ذاته قلوب فأفناها عن الطيران
[أن الحب مقام إلهي]
اعلم وفقك اللّٰه أن الحب مقام إلهي فإنه وصف به نفسه و تسمى بالودود : و في الخبر بالمحب و
مما أوحى اللّٰه به إلى موسى في التوراة يا ابن آدم أنى و حقي لك محب فبحقي عليك كن لي محبا و قد وردت المحبة في القرآن و السنة في حق اللّٰه و في حق المخلوقين و ذكر أصناف المحبوبين بصفاتهم و ذكر الصفات التي لا يحبها اللّٰه و ذكر الأصناف الذين لا يحبهم اللّٰه فقال تعالى لنبيه ص آمرا أن يقول لنا قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ و قال تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّٰهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و قال في ذكر الأصناف الذين يحبهم إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ و يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ و يُحِبُّ الصّٰابِرِينَ و يحب الشاكرين و يحب المتصدقين و يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و يُحِبُّ الَّذِينَ يُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ كما نفى عن نفسه أن يحب قوما لأجل صفات قامت بهم لا يحبها ففحوى الخطاب أنه سبحانه يحب زوالها و لا تزول إلا بضدها و لا بد فقال إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ و لاٰ يُحِبُّ الْفَسٰادَ و ضده الصلاح فعين ترك الفساد صلاح و قال إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ و لاٰ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتٰالٍ فَخُورٍ و لاٰ يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ و لاٰ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ و لاٰ يُحِبُّ الْكٰافِرِينَ و لا يحب اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ و لاٰ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ثم إنه سبحانه حبب إلينا أشياء منها بالتزيين و منها مطلقة فقال ممتنا علينا وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمٰانَ و قال زُيِّنَ لِلنّٰاسِ حُبُّ الشَّهَوٰاتِ الآية و قال في حق الزوجين وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً و نهانا أن نلقي بالمودة إلى أعداء اللّٰه فقال لاٰ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيٰاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ و المحبة الواردة في القرآن كثيرة و أما الأخبار
فقوله ص عن اللّٰه إنه قال كنت كنزا لم أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق و تعرفت إليهم فعرفوني فما خلقنا إلا له لا لنا لذلك قرن الجزاء بالأعمال فعملنا لنا لا له و عبادتنا له لا لنا و ليست العبادة نفس العمل فالأعمال الظاهرة في المخلوقين خلق له فهو العامل و يضاف إليه حسنها أدبا مع اللّٰه مع كونها كل من عند اللّٰه لأنه قال وَ نَفْسٍ وَ مٰا سَوّٰاهٰا فَأَلْهَمَهٰا فُجُورَهٰا وَ تَقْوٰاهٰا وَ اللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَ مٰا تَعْمَلُونَ و قال اَللّٰهُ خٰالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فدخلت أعمال العباد في ذلك و
قال رسول اللّٰه ص إن اللّٰه يقول ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم و لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به الحديث و من هذا التجلي قال من قال بالاتحاد و بقوله وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ و بقوله وَ مٰا تَعْمَلُونَ و