responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 29

من البلاء الموقوف إزالته على الطب و لا يقدح في صبرهم شكواهم إلى اللّٰه في رفع ذلك البلاء عنهم أ لا ترى أيوب سأل ربه رفع البلاء عنه بقوله مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ أي أصاب مني فشكا ذلك إلى ربه عز و جل و قال له وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ ففي هذه الكلمة إثبات وضع الأسباب و عرض فيها لربه برفع البلاء عنه فاستجاب له ربه و كشف ما به من الضر فأثبت بقوله تعالى فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ أن دعاءه كان في رفع البلاء فكشف مٰا بِهِ مِنْ ضُرٍّ و مع هذا أثنى عليه بالصبر و شهد له به فقال إِنّٰا وَجَدْنٰاهُ صٰابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ أي رجاع إلينا فيما ابتليناه به و أثنى عليه بالعبودية فلو كان الدعاء إلى اللّٰه في رفع الضر و رفع البلاء يناقض الصبر المشروع المطلوب في هذا الطريق لم يثن اللّٰه على أيوب بالصبر و قد أثنى عليه به بل عندنا من سوء الأدب مع اللّٰه أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه لأن فيه رائحة من مقاومة القهر الإلهي بما يجده من الصبر و قوته قال العارف إنما جوعني لأبكي فالعارف و إن وجد القوة الصبرية فليفر إلى موطن الضعف و العبودية و حسن الأدب فإن القوة لله جميعا فيسأل ربه رفع البلاء عنه أو عصمته منه أن توهم وقوعه و هذا لا يناقض الرضاء بالقضاء فإن البلاء إنما هو عين المقضي لا القضاء فيرضى بالقضاء و يسأل اللّٰه في رفع المقضي عنه فيكون راضيا صابرا فهؤلاء أيضا هم الصابرون الذين أثنى اللّٰه عليهم

[الأولياء الخاشعون]

و من الأولياء أيضا الخاشعون و الخاشعات رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بالخشوع من ذل العبودية القائم بهم لتجلى سلطان الربوبية على قلوبهم في الدار الدنيا فينظرون إلى الحق سبحانه مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ يوجده اللّٰه لهم في قلوبهم في هذه الحالة خفي عن إدراك كل مدرك إياه بل لا يشهد ذلك النظر منهم إلا اللّٰه فمن كانت حالته هذه في الدار الدنيا من رجل و امرأة فهو الخاشع و هي الخاشعة فيشبه القنوت من وجه إلا أن القنوت يشترط فيه الأمر الإلهي و الخشوع لا يشترط فيه إلا التجلي الذاتي و كلتا الصفتين تطلبهما العبودية فلا يتحقق بهما إلا عبد خالص العبودية و العبودة و له حال ظاهر في الجوارح التي لها الحركات و حال باطن في القلوب فيورث في الظاهر سكونا و يؤثر في الباطن ثبوتا و القنوت يورث في الظاهر بحسب ما ترد به الأوامر من حركة و سكون فإن كان القانت خاشعا فحركته في سكون و لا بد إن ورد الأمر بالتحرك فيورث القنوت في الباطن انتقالات أدق من الأنفاس متوالية مع الأوامر الإلهية الواردة عليه في عالم باطنه فالخاشع في قنوته في الباطن ثبوته على قبول تلك الأوامر الواردة عليه من غير أن يتخللها ما يخرجها عن أن تكون مشهودة لهذا الخاشع فالخاشع و القانت خشوعه و قنوته إخوان متفقان في الموفقين من عباد اللّٰه

[الأولياء المتصدقون]

و من الأولياء أيضا المتصدقون و المتصدقات رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بجوده ليجودوا بما استخلفهم اللّٰه فيه مما افتقر إليه خلق اللّٰه فأحوج اللّٰه الخلق إليهم لغناهم بالله فالكلمة الطيبة صدقة و لما كان حالهم التعمل في الإعطاء لا العمل دل على أنهم متكسبون في ذلك لنظرهم أن ذلك ليس لهم و إنما هو لله فلا يدعون فيما ليس لهم فلا منة لهم في الذي يوصلونه إلى الناس أو إلى خلق اللّٰه من جميع الحيوانات و كل متغذ عليهم لكونهم مؤدين أمانة كانت بأيديهم أوصلوها إلى مستحقيها فلا يرون أن لهم فضلا عليهم فيما أخرجوه و هذه الحالة لا يمدحون بها إلا مع الدوام و الدءوب عليها في كل حال و العارفون هنا في هذه الصفة على طبقتين منهم من يكون عين ما يعطيه مشهودا له أنه حق لمن يعطيه لأن اللّٰه ما خلق الأشياء التي يقع بها الانتفاع لنفسه و إنما خلق الخلق للخلق فهذا معنى الاستحقاق و طبقة أخرى يكون مشهودا لهم كون خالق النعمة مختارا فيبطل عندهم الاستحقاق بأنهم يرون أن اللّٰه ما خلق الخلق أجمعه إلا لعبادته و لهذا قال وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ و يسجد له و كان إيصال بعض الخلق للخلق بحكم لتبعية لا بالقصد الأول و إن لم يكن هناك ما يقال فيه قصد أول و لا ثان و لكن العبارات من أجل إبراز الحقائق تعطي ذلك و لله عباد من المتصدقين أقامهم الحق بين هاتين الطبقتين فهم ينظرون في حين كونهم متصدقين الاستحقاق لبقاء عين من تصدق عليه ليصح منه ما خلق له من التسبيح لربه و الثناء عليه و لكن لا من حيث إنه آكل مثلا و لا شارب في حق من يكون بقاؤه بالأكل و الشرب فذلك لا يكون باستحقاق و إنما الاستحقاق ما به بقاؤه و أسبابه كثيرة ثم تنظر هذه الطبقة الثالثة المتولدة بينهما من عين آخر معا و هو أن تنظر إلى الحق من حيث ما تقتضيه ذاته فيرتفع عندها الاختيار و ترى أن المظاهر الإلهية هي المسبحة فلا يسبح اللّٰه إلا اللّٰه و لا يحمده إلا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 29
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست