responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 272

بين الطريقين

[علة تسمية الكيميا بالسعادة]

و لما ذا سميت كيمياء السعادة لأن فيها سعادة لا بد و زيادة ما عند الناس من أهل اللّٰه خير منها و هو أنه يعطيك درجة الكمال الذي للرجال فإنه ما كل صاحب سعادة يعطي الكمال فكل صاحب كمال سعيد و ما كل سعيد كامل و الكمال عبارة عن اللحوق بالدرجة العلي و هو التشبه بالأصل و لا يتخيل أن

قول النبي ص كمل من الرجال كثيرون أنه أراد الكمال الذي ذكره الناس و إنما هو ما ذكرناه و ذلك بحسب ما يعطي الاستعداد العلمي في الدنيا فلنتكلم إن شاء اللّٰه على كيمياء السعادة بعد هذا التمهيد و اللّٰه الموفق لا رب غيره.

(وصل في فصل) [الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة]

اعلم أن الكمال المطلوب الذي خلق له الإنسان إنما هو الخلافة فأخذها آدم ع بحكم العناية الإلهية و هو مقام أخص من الرسالة في الرسل لأنه ما كل رسول خليفة فإن درجة الرسالة إنما هي التبليغ خاصة قال تعالى مٰا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاٰغُ و ليس له التحكم في المخالف إنما له تشريع الحكم عن اللّٰه أو بما أراه اللّٰه خاصة فإذا أعطاه اللّٰه التحكم فيمن أرسل إليهم فذلك هو الاستخلاف و الخلافة و الرسول الخليفة فما كل من أرسل حكم فإذا أعطى السيف و أمضى الفعل حينئذ يكون له الكمال فيظهر بسلطان الأسماء الإلهية فيعطي و يمنع و يعز و يذل و يحيي و يميت و يضر و ينفع و يظهر بأسماء التقابل مع النبوة لا بد من ذلك فإن ظهر بالتحكم من غير نبوة فهو ملك و ليس بخليفة فلا يكون خليفة إلا من استخلفه الحق على عباده لا من أقامه الناس و بايعوه و قدموه لأنفسهم و على أنفسهم فهذه هي درجة الكمال و للنفوس تعمل مشروع في تحصيل مقام الكمال و ليس لهم تعمل في تحصيل النبوة

[الخلافة تكون مكتسبة و النبوة
غير مكتسبة]

فالخلافة قد تكون مكتسبة و النبوة غير مكتسبة لكن لما رأى بعض الناس الطريق الموصل إليها طاهر الحكم و من شاء اللّٰه يسلك فيه تخيل أن النبوة مكتسبة و غلط فلا شك أن الطريق يكتسب فإذا وصل إلى الباب يكون بحسب ما يخرج له في توقيعه و هنالك هو الاختصاص الإلهي فمن الناس من يخرج له توقيع بالولاية و منهم من يخرج له توقيع بالنبوة و بالرسالة و بالرسالة و الخلافة و منهم من يخرج له توقيع بالخلافة وحدها فلما رأى من رأى أن هؤلاء ما خرج لهم هذا التوقيع إلا بعد سلوكهم بالأفعال و الأقوال و الأحوال إلى هذا الباب تخيل أن ذلك مكتسب للعبد فأخطأ

[أن النفس مستعد لقبول مما تخرج به التوقيعات الإلهية]

و اعلم أن النفس من حيث ذاتها مهياة لقبول استعداد ما تخرج به التوقيعات الإلهية فمنهم من حصل له استعداد توقيع الولاية خاصة فلم يزد عليها و منهم من رزق استعداد ما ذكرناه من المقامات كلها أو بعضها و سبب ذلك أن النفوس خلقت من معدن واحد كما قال تعالى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ و قال بعد استعداد خلق الجسد وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فمن روح واحد صح السر المنفوخ في المنفوخ فيه و هو النفس و قوله فِي أَيِّ صُورَةٍ مٰا شٰاءَ رَكَّبَكَ يريد الاستعدادات فيكون بحكم الاستعداد في قبول الأمر الإلهي فلما كان أصل هذه النفوس الجزئية الطهارة من حيث أبيها و لم يظهر لها عين إلا بوجود هذا الجسد الطبيعي فكانت الطبيعة الأب الثاني خرجت ممتزجة فلم يظهر فيها إشراق النور الخالص المجرد عن المواد و لا تلك الظلمة الغائية التي هي حكم الطبيعة فالطبيعة شبيهة بالمعدن و النفس الكلية شبيهة بالأفلاك التي لها لفعل و عن حركاتها يكون الانفعال في العناصر و الجسد الكون في المعدن بمنزلة الجسم الإنساني و الخاصية التي هي روج ذلك الجسد المعدني بمنزلة النفس الجزئية التي للجسم الإنساني و هو الروح المنفوخ و كما أن الأجساد المعدنية على مراتب لعلل طرأت عليهم في حال التكوين مع كونهم يطلبون درجة الكمال التي لها ظهرت أعيانهم كذلك الإنسان خلق للكمال فما صرفه عن ذلك الكمال إلا علل و أمراض طرأت عليهم إما في أصل ذواتهم و إما بأمور عرضية فاعلم ذلك فلنبتدئ بما ينبغي أن يليق بهذا الباب و هو أن نقول

[النفوس الجزئية يتعين عليها طلب العلم]

إن النفوس الجزئية لما ملكها اللّٰه تدبير هذا البدن و استخلفها عليه و بين لها أنها خليفة فيه لتتنبه على أن لها موجدا استخلفها فيتعين عليها طلب العلم بذلك الذي استخلفها هل هو من جنسها أو شبيه بها بضرب ما من ضروب المشابهة أو لا يشبهها فتوفرت دواعيها لمعرفة ذلك من نفسها فبينما هي كذلك على هذه الحالة في طلب الطريق الموصلة إلى ذلك و إذا بشخص قد تقدمها في الوجود من النفوس الجزئية فأنسوا به للشبه فقالوا له أنت تقدمتنا في هذه الدار فهل خطر لك ما خطر لنا قال و ما خطر لكم قالوا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست