responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 261



فبغداد داري لا أرى لي موطنا سواها فإن عزت جنحت إلى مصري

[دخول ابن عربى مقام القربة مطلع عام 597]

هذا المقام دخلته في شهر محرم سنة سبع و تسعين و خمسمائة و أنا مسافر بمنزل ابحيسل ببلاد المغرب فتهت به فرحا و لم أجد فيه أحدا فاستوحشت من الوحدة و تذكرت دخول أبي يزيد بالذلة و الافتقار فلم يجد في ذلك المنزل من أحد و ذلك المنزل هو موطني فلم أستوحش فيه لأن الحنين إلى الأوطان ذاتي لكل موجود و أن الوحشة مع الغربة و لما دخلت هذا المقام و انفردت به و علمت أنه إن ظهر علي فيه أحد أنكرني فبقيت أتتبع زواياه و مخادعه و لا أدري ما اسمه مع تحققي به و ما خص اللّٰه به من أتاه إياه و رأيت أوامر الحق تترى علي و سفراؤه تنزل إلي تبتغي مؤانستي و تطلب مجالستي

[أبو عبد الرحمن السلمي و ابن عربى و مقام القربة]

فرحلت و أنا على تلك الحال من الاستيحاش بالانفراد و الأنس إنما يقع بالجنس فلقيت رجلا من الرجال بمنزل يسمى آن حال فصليت العصر في جامعة فجاء الأمير أبو يحيى بن واجتن و كان صديقي و فرح بي و سألني أن أنزل عنده فأبيت و نزلت عند كاتبه و كانت بيني و بينه مؤانسة فشكوت إليه ما أنا فيه من انفرادي بمقام أنا مسرور به فبينا هو يؤانسني إذ لاح لي ظل شخص فنهضت من فراشي إليه عسى أجد عنده فرجا فعانقني فتأملته فإذا به أبو عبد الرحمن السلمي قد تجسدت لي روحه بعثه اللّٰه إلى رحمة بي فقلت له أراك في هذا المقام فقال فيه قبضت و عليه مت فإنا فيه لا أبرح

[حال الخضر في الدورة الموسوية و حاله في الدورة المحمدية]

فذكرت له وحشتي فيه و عدم الأنيس فقال الغريب مستوحش و بعد أن سبقت لك العناية الإلهية بالحصول في هذا المقام فاحمد اللّٰه و لمن يا أخي يحصل هذا أ لا ترضى أن يكون الخضر صاحبك في هذا المقام و قد أنكر عليه موسى حاله مع ما شهد اللّٰه عنده بعدالته و مع هذا أنكر عليه ما جرى منه و ما أراه سوى صورته فحاله رأى و على نفسه أنكر و أوقعه في ذلك سلطان الغيرة التي خص اللّٰه بها رسله و لو صبر لرأى فإنه كان قد أعد له ألف مسألة كلها جرت لموسى و كلها ينكرها على الخضر قال شيخنا أبو النجا المعروف بأبي مدين لما علم الخضر رتبة موسى و علو قدره بين الرسل امتثل ما نهاه عنه طاعة لله و لرسوله فإن اللّٰه يقول وَ مٰا آتٰاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مٰا نَهٰاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فقال له في الثانية إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهٰا فَلاٰ تُصٰاحِبْنِي فقال سمعا و طاعة فلما كانت الثالثة و نسي موسى حالة قوله إِنِّي لِمٰا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ و ما طلب الإجارة على سقايته مع الحاجة فارقه الخضر بعد ما أبان له علم ما أنكره عليه ثم قال له وَ مٰا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي لأنه كان على شرعة من ربه و منهاج و في زمانها بخلاف حاله بعد بعث محمد ص فإنه الفرا كل الصيد في جوفه

[لعلماء الرسوم قدم راسخة في مقام القربة]

فقلت له يا أبا عبد الرحمن لا أعرف لهذا المقام اسما أميزه به فقال لي هذا يسمى مقام القربة فتحقق به فتحققت به فإذا به مقام عظيم لعلماء الرسوم من أهل الاجتهاد فيه قدم راسخة لكنهم لا يعرفون أنهم فيه و رأيت الإمداد الإلهي يسرى إليهم من هذا المقام و لهذا ينكر بعضهم على بعض و يخطئ بعضهم بعضا لأنهم ما حصل لهم ذوقا و لا يعلمون ممن يستمدون مشاهدة و كشفا فكل واحد منهم على حق كما أنه لكل نبي تقدم هذا الزمان المحمدي شرعة و منهاج و الايمان بذلك كله واجب على كل مؤمن و إن لم نلتزم من أحكامهم إلا ما لزمناه

[المجتهدون من علماء الشريعة و أهل الكشف]

فالمجتهدون من علماء الشريعة ورثة الرسل في التشريع و أدلتهم تقوم لهم مقام الوحي للأنبياء و اختلاف الأحكام كاختلاف الأحكام إلا أنهم ليسوا مثل الرسل لعدم الكشف فإن الرسل يشد بعضهم من بعض و كذلك أهل الكشف من علماء الاجتهاد و أما غير أهل الكشف منهم فيخطئ بعضهم بعضا و لو قال الخضر لموسى من أول ما صحبه ما أفعل شيئا مما تراني أفعله عن أمري ما أنكره عليه و لا عارضة و لقد أنطقه اللّٰه بقوله سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ صٰابِراً وَ لاٰ أَعْصِي لَكَ أَمْراً و الصبر لا يكون إلا على ما يشق عليه فلو قدم الصبر على المشيئة كما يفعل المحمدي لصبر و لم يعترض فإن اللّٰه قدمه في الإعلام تعليما لمحمد ص

[الوقوف عند ترتيب الحكمة في الأشياء]

فمن أراد أن يحصل علم اللّٰه في خلقه فليقف عند ترتيب حكمته في الأشياء فيقدم ما قدم اللّٰه و يؤخر ما أخر اللّٰه فإن من أسمائه المقدم و المؤخر فإذا أخرت ما قدمه أو قدمت ما أخره فهو نزاع خفي يورث حرمانا قال تعالى وَ لاٰ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فٰاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاّٰ أَنْ يَشٰاءَ اللّٰهُ فأخر الاستثناء و قدمه موسى فلم يصبر فلو أخره لصبر و هذه الآية مذكورة باللسان العبراني في التوراة فالله اللّٰه يا إخواننا من أهل هذه الملة المحمدية قفوا على مشاعر اللّٰه التي بينها لكم و لا تتعدوا ما رسم لكم

أ لا تراه ص لما صعد على الصفا في حجة الوداع قرأ إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ ثم قال أبدأ بما بدأ اللّٰه به و ما قال ذلك إلا تعليما لنا و لزوم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 261
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست