responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 250



إني فديتهم من كل حادثة لا يعلمون بها بالسمع و البصر

[الملائكة المهيمة]

اعلم أن الملائكة ثلاثة أصناف صنف مهيم لما أوجدهم تجلى لهم في اسمه الجميل فهيمهم و أفناهم عنهم فلا يعرفون نفوسهم و لا من هاموا فيه و لا ما هيمهم فهم في الحيرة سكارى و هم الذين أوجدهم اللّٰه من أينية العماء الذي ما فوقه هو أو ما تحته هو أو هم و جميع الملائكة أرواح خلقهم اللّٰه في هياكل أنوار كسائر الملائكة إلا أن هؤلاء الملائكة ليس لهم من الولاية إلا ولاية الممكنات التي ذكرناها في شرح إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ

[الملائكة المسخرة]

و الصنف الثاني الملائكة المسخرة و رأسهم القلم الأعلى و هو العقل الأول سلطان عالم التدوين و التسطير و كان وجودهم مع العالم المهيم غير أنه حجبهم اللّٰه عن هذا التجلي الذي هيم أصحابهم لما أراد اللّٰه أن يهبه هذا الصنف المسخر من رتبة الإمامة في العالم و له ولاية تخصه و تخص ملائكة التسخير

[الملائكة المدبرة]

و الصنف الثالث ملائكة التدبير و هي الأرواح المدبرة للأجسام كلها الطبيعية النورية و الهبائية و الفلكية و العنصرية و جميع أجسام العالم و لهؤلاء ولاية أيضا

[نصرة ملائكة التسخير بالدعاء للمؤمنين المذنبين]

فأما ملائكة التسخير فولايتهم أعني نصرتهم للمؤمنين إذا أذنبوا و توجهت عليهم أسماء الانتقام الإلهية و توجهت في مقامات تلك الأسماء أسماء الغفران و العفو و التجاوز عن السيئات فتقول الملائكة ما قال اللّٰه تعالى وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بقولهم رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً ما يزيدون على ذلك في حق المؤمن العاصي غير التائب اتكالا منهم على علم اللّٰه فيما قصدوه في ذلك الكلام أدبا مع اللّٰه سبحانه حيث إنه استحق جناب اللّٰه على أهل اللّٰه أن يغار من أجله و يدعي على من عصاه و لم يقم بأمره و ما ينبغي لجلاله فإن الملائكة أهل أدب مع اللّٰه فقالوا رَبَّنٰا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً بقولك وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ و هؤلاء العصاة من الداخلين في عموم لفظة كل و علما من قوله أَحٰاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً

[استغفار عيسى و الملائكة في حق المذنبين]

فهذا مثل قول العبد الصالح الذي أخبرنا اللّٰه بقوله إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبٰادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فتأدب مع اللّٰه في هذا القول لما عصى قومه اللّٰه تعالى و لم يتوبوا فعلم اللّٰه منه أنه تأدب مع اللّٰه و أنه عرض بالمغفرة لما علم أن رحمته سبقت غضبه غير أن نفس الملائكة أقوى في الأدب لأنهم أعلم بالله من هذا العبد و ما ينبغي لجلال اللّٰه فلم يقولوا و إن تغفر لهم و إنما قالوا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فهذا يسمى تعريض تنبيه على أن الحق بهذه المثابة كما أخبر عن نفسه فقولهم رحمة فقدموا ذكر الرحمة لأنه تعالى قدمها لما ذكر عبده خضرا فقال آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا قبل أن يذكر ما أعطاه ثم ذكر بعد ذلك الذي أعطاه من أجل رحمته به فقال وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً فلهذا قدمت الملائكة الرحمة و سكتت عن ذكر العصاة في دعائها فبين كلمة عيسى في حق قومه و بين دعاء الملائكة في حق العبيد العصاة من الأدب بون كثير لمن نظر و استبصر

[طريقة محمد ص في طلب المغفرة لقومه من ربه]

و لهذا قام النبي محمد ص بهذه الآية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبٰادُكَ ليلة كاملة ما زال يرددها حتى طلع الفجر إذ كانت كلمة غيره فكان يكررها حكاية و قصده معلوم في ذلك كما قيل في المثل

إياك أعني فاسمعي يا جارة
و لم يقم ليلة كاملة بآية قول الملائكة لأن مناسبته لعيسى أقرب و مناسبة عيسى للملائكة أقرب لأن جبريل توجه على أمه مريم في إيجاد عيسى بشرا سويا فسلك محمد ص طريقا بين طريقين في طلب المغفرة لقومه

[نصرة ملائكة التسخير بالدعاء للمؤمنين التائبين]

فهذا استنصارهم اللّٰه في حق المؤمنين العصاة و أما نصرتهم بالدعاء لمن تاب منهم فهو قولهم ربنا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تٰابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ فصرحوا بذكرهم لما كان هؤلاء قد قاموا في مقام القرب الإلهي بالتوبة و قرعوا بابها في رجعتهم إلى اللّٰه و الملائكة حجبة الحق فطلبوا من اللّٰه المغفرة لهم لما اتصفوا بالتوبة و هذا من الأدب ثم إنهم لما عرفت الملائكة أن بين الجنة و النار منزلة متوسطة و هي الأعراف فمن كان في هذه المنزلة ما هو في النار و لا في الجنة و علمت من لطف اللّٰه بعباده أنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه فقالت الملائكة بعد قولهم وَ قِهِمْ عَذٰابَ الْجَحِيمِ رَبَّنٰا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّٰاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ أي لا تنزلهم في الأعراف بل أدخلهم الجنة وَ مَنْ صَلَحَ الواو هنا بمعنى مع يقولون مع من صلح مِنْ آبٰائِهِمْ وَ أَزْوٰاجِهِمْ وَ ذُرِّيّٰاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ كما قال العبد الصالح وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و لم يقل واحد منهم إنك أنت الغفور الرحيم أدبا مع الجناب الإلهي من الطائفتين فاجتمعوا بذكر هذين الاسمين في حضرة الأدب مع اللّٰه

[نصرة ملائكة التسخير بالدعاء للملائكة الموكلين بقلوب الآدميين]

ثم زادت الملائكة في نصرتها للملائكة الموكلين بقلوب بنى آدم و هم أصحاب اللمات ينصرونهم الدعاء على أعدائهم من الشياطين أصحاب اللمات الموكلين المسلطين

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست