responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 243

يُسْئَلُونَ و قد نبهناك على أمر جليل و علم عظيم و سر غامض خفي لا يعلمه إلا اللّٰه و من أعلمه من المخلوقين أحاله عقل و ورد به نقل و بعد عنه فهم و قبله فهم

[حقيقة معرفة النفس و حقيقة معرفة الرب]

فإن تدبرت فصول هذا الباب وقفت على لباب المعرفة الإلهية و تحققت

قوله ص من عرف نفسه عرف ربه و قد أوجدتك أنك محل لكل صفة محمودة و مذمومة ثم أعلمتك معنى الحمد و الذم و حددتك و أطلقتك ذلك لتعلم أنك العالم الذي لا يعلم و هو سبحانه العالم الذي يعلم و لا يعلم فلا يعلم ما هو العبد عليه و أعني بالعبد العالم كله و الإنسان إلا اللّٰه تعالى هو يعلمه ثم أعلم بعض عبيده فمنا من علم نفسه و منا من جهل نفسه و منا من تخيل أنه علم نفسه و منا من علم من نفسه بعض ما هو عليه في نفسه و بذلك القدر ينسب إليه أنه علم من ربه فإنه

من عرف نفسه عرف ربه و كما لا يجتمع الدليل و المدلول لا تجتمع أنت و هو في حد و لا حقيقة فإنه الخالق و أنت المخلوق و إن كنت خالقا و هو المالك و أنت المملوك و إن كنت مالكا فلا يحجبنك الاشتراك في الأخلاق فإنك المخلوق و هو الخلاق

[مقام الخلق و التخلق و التحقق بالخلق الإلهي]

فهذا مقام الخلق قد أبنته و ما عدا هذا مما تشير إليه الصوفية من التخلق فهو تلفيق من الكلام و قولهم في التخلق بالأسماء كذلك و نحن قد أطلقنا مثل ما أطلقوه و لكن عن علم محقق و إطلاق مطلق بأدب إلهي عن تحقق فهو في الحقيقة خلق لا تخلق كما أفهمتك و أكثر من هذا الإيضاح و البيان الذي يطلبه هذا المقام فلا يكون فإنا ما تعدينا فيه حدود اللّٰه في عبارتنا و لا ذكرنا شيئا ما نسبه إلى نفسه فما خرجنا عن كلامه و ما أنزله على الصادقين من عباده وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ بل هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ فهو العليم و لا عالم و هو الحكيم في ترتيب العالم فالعالم و العليم أعم و الحكيم تعلق خاص للعلم فهذا هو التحقق بالخلق الإلهي

[الأخلاق التي يحتاج إلى معرفتها أهل السلوك]

و أما الأخلاق التي تحتاج إلى معرفتها أهل السلوك و كلنا سالك إذ لا تصح نهاية فهو أن نقول إن العرف و الشرع قد وردا بمكارم الأخلاق و سفساف الأخلاق و أمرنا بإتيان مكارمها و اجتناب سفسافها ثم إن الشرع قد نبه على أنها على قسمين من الأخلاق ما يكون في جبلة الإنسان كما

قال رسول اللّٰه ص للاشج أشج عبد القيس إن فيك لخصلتين يحبهما اللّٰه و رسوله الحلم و الأناة و في لفظ آخر لغير مسلم فقال الرجل يا رسول اللّٰه أ شيء جبلت عليه قال نعم قال الحمد لله الذي جبلني عليهما أو كما قال و منها مكتسبة فالمكتسب هو الذي يعبر عنه بالتخلق و هو التشبه بمن هي فيه هذه الأخلاق الكريمة جبلية في أصل خلقه و لا شك أن استعمال مكارم الأخلاق صعب لملاقاة الضد في استعمالها في الكون فإن الغرضين و الإرادتين من الشخصين إذا تعارضتا و طلب كل واحد منهما منك أن تصرف معه كريم خلق بقضاء غرضه و لا يتمكن لك الجمع بينهما فمهما أرضيت الواحد أسخطت الآخر و إذا تعذر الجمع و استحال تعميم الرضي و تصريف الخلق الكريم مع كل واحد منهما تعين على الإنسان أن يخرج عن نفسه في ذلك و يجعل الحكم فيه للشرع فيتخذه لهذا الباب ميزانا و إماما

[الميزان و الإمام للسير و في السير إلى الإمام]

فاجعل إمامك ما يرضي اللّٰه و فيما يرضي اللّٰه و لتصرف خلقك الكريم مع اللّٰه خاصة فهو الصاحب و الخليفة و هو أولى أن يعامل بمكارم الأخلاق فما قدمه اللّٰه قدمه فإن ذلك التقديم هو تصريف الحق لذلك الخلق مع ذلك العبد و في ذلك المحل فتصريف خلقك مع اللّٰه أولى من تصريفه مع الكون بل هو واجب لا أولى فإن جميع الخلق من الملائكة و الرسل و المؤمنين يحمدونك على ذلك الفعل و الخلق الذي عاملت به ذلك الشخص الذي قدمه الحق و أوجب عليك أن تعامله به و ما يذمك فيه إلا صاحب ذلك الغرض إذا لم يكن مؤمنا و مراعاة الأصل أولى و إذا لم تتخلق بمكارم الأخلاق على ما رسمته لك لم يصح لك هذا المقام و يذمك فيه كل مخلوق أ لا ترى شاهد الزور فإنه أول من يتجرح عنده و لا يعتقد فيه و يذمه في باطنه من شهد له و قد أسخط اللّٰه و ملائكته و رسله و المؤمنين و ليست مكارم الأخلاق إلا ما يتعلق منها بمعاملة غيرك لا غير و ما عدا ذلك فلا يسمى مكارم خلق و إنما هي نعوت يتخلق بها لتصحيح الصورة أو النسبة لا غير هذا هو ربط هذا الباب في السالكين و المخلصين سعادة الأبد و تفاصيل تصاريف الأخلاق مع الموجودات تكثر لو بيناها و كيفياتها لم يحصرها كتاب و بعد أن أعطيناك أصلا فيها تعتمد عليه فاعمل به و هو أن تنظر إلى حكم الشرع في كل حركة منك في حق كل موجود فتعامله بما قال لك الشارع عامله به على الوجوب أو الندب و لا تتعداه تكن في ذلك محمود النقيبة مأمونا معظما عند اللّٰه صاحب نور إلهي

(نكتة)

فإن كنت فعالا بالهمة أرضيت جميع الموجودات عنك إذ كان لك

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 243
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست