responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 236

إلهي يعطاه المؤمن لعين البصيرة يكون كالنور لعين البصر و تكون العلامة في المتفرس فيه كنور الشمس الذي تظهر به المحسوسات للبصر فكما يفرق البصر بما فيه من النور و بما كشف له نور الشمس من المحسوسات فيعرف صغيرها من كبيرها و حسنها من قبيحها و أبيضها من أسودها من أحمرها من أصفرها و متحركها من ساكنها و بعيدها من قريبها و عاليها من أسفلها كذلك نور الفراسة الإيمانية يعرف محمودها من مذمومها

[الحكمة في إضافة نور فراسة المؤمن إلى اللّٰه]

و إنما أضيف نور الفراسة إلى اللّٰه الذي هو الاسم الجامع لأحكام الأسماء لأنه يكشف المحمود و المذموم و حركات السعادة في الدار الآخرة و حركات الشقاء إلى أن يبلغ بعضهم إذا رأى وطأة شخص في الأرض و هو أثره و الشخص ليس بحاضر يقول هذا قدم سعيد و هذا قدم شقي مثل ما يفعله القائف الذي يتبع الأثر فيقول صاحب هذا الأثر أبيض مثلا أعور العين و يصف خلقته كأنه رآه و ما طرأ عليه في خلقه من الأمور العوارض يرى ذلك كله في أثره من غير أن يرى شخصه و يحكم في الأنساب و يلحق الولد بأبيه إذا وقع الاختلاف فيه لعدم المناسبة في الشبه الظاهر المعتاد بين الآباء و الأبناء

[الحركات الكوكبية و سباحتها في الأفلاك العلوية]

فأضاف نور الفراسة إلى اللّٰه لأجل هذا فلو أضافها إلى الاسم الحميد مثلا لم ير صاحب هذا النور إلا المحمود السعيد خاصة و كذلك لو أضاف إلى أي اسم إلهي لكان بحسب ما تعطي حقيقة ذلك الاسم فلما أضاف ذلك النور إلى اللّٰه أدرك به الخيرات و الشرور الواقعة في الدنيا و الآخرة و المذام و المحامد و مكارم الأخلاق و سفسافها و ما تعطيه الطبيعة و ما تعطيه الروحانية و يفرق بهذا النور بين الأحكام الشرعية و هي خمسة أحكام و يعرف بهذا النور لمن استند صاحب تلك الحركة من الأسماء الإلهية و من ينظر إليه من الأرواح العلوية و ما له من الآيات من الحركات الكوكبية لأن اللّٰه ما جعل سباحتها في الأفلاك باطلا بل لأمور أودعها اللّٰه تعالى في المجموع فيها و في حركاتها و في قطعها في البروج المقدرة في الفلك الأقصى و هو قوله وَ أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا فهي تؤدي في تلك السباحة ما أمنت عليه من الأمور التي يطلبها العالم العنصري

[الطبيعة خلقها اللّٰه دون النفس و فوق الهباء]

و اعلم أن الطبيعة التي خلقها اللّٰه تعالى دون النفس و فوق الهباء فلما أراد اللّٰه إيجاد الأجسام الطبيعية و ما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري و العناصر أجسام طبيعية و إن تولد عنها أجساد أخر فكل ذلك من آثار اللّٰه فيما خلق اللّٰه الطبيعة عليها و الطبيعة عبارة عن أمور أربعة إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم فلذلك اختلفت أجسام العالم لاختلاف ذلك المزاج فأعطى كل جسم في العالم بحسب ما اقتضاه مزاجه

[خلق العناصر و هي الأركان الأربعة]

و ما زال الأمر ينزل إلى أن خلق اللّٰه العناصر و هي الأركان فضم الحرارة إلى اليبوسة على طريق خاص فكان من ذلك المزج ركن النار الذي يعبر عنه أيضا بعنصر النار ثم الهواء كذلك ثم الماء ثم التراب ثم جعل سبحانه يستحيل بعضها إلى بعض بوسائط و بغير وسائط فإذا تنافر العنصران من جميع الوجوه استحال إلى المناسب ثم استحال ذلك المناسب إلى المناسب إليه الآخر الأقرب الذي كان منافرا للمستحيل الأول فقبل الاستحالة إليه بوساطة هذا المناسب الأقرب من سخافة أو كثافة

[خلق الجسم الحيواني من أربع طبائع]

ثم خلق اللّٰه الجسم الحيواني من أربع طبائع و هما المرتان و الدم و البلغم و جعل سبحانه في هذه الأخلاط قوى روحانية تظهر آثارها في الجسم المركب عنها فإن كانت هذه الأخلاط في الجسم الظاهر عنها على الاعتدال أو قريب من الاعتدال أعطت ما يعطيه الاعتدال من الأمور المستحسنة المحمودة و الحركات الاقتصادية في الأمور و إن لم تكن فيه على الاعتدال أعطت بحسب ما انحرفت إليه و ظهر في البدن سلطان الأقوى و الأكثر من هذه الأخلاط فيطرأ على الجسم من ذلك علل و على النفس من ذلك أخلاق

[العلل البدنية و النفسية و الروحانية و علاجها]

فالطبيب يداوي العلل بأن يزيد في الناقص من هذه الأخلاط و ينقص من الزائد منها حتى يحصل الاعتدال و الطبيب الإلهي يداوي الأخلاق و يسوس الأغراض النفسية بالذكرى و الموعظة و التنبيه على معالي الأمور و ما لمن قامت به من السعادة و المحمدة عند اللّٰه و عند الناس و عند الأرواح العلى فتتأيد بذلك النفس الناطقة و تكون لها هذه الذكرى كالمعينة على صلاح هذا المزاج المنحرف فتعين الطبيب المدبر لطبيعة هذا البدن و إصلاح ما اختل منه و لهذا بعض الأطباء يأمرون المرضى لأمراض خاصة باستعمال سماع الألحان المطربة و الأماكن المستحسنة المتنوعة الأزهار و خرير المياه و تغاريد الطير كالبلبل و أمثاله كل ذلك طب روحاني يؤدي إلى صلاح المزاج يعين الطبيب عليه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 236
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست