responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 235

للحق لا لي فابدأ بها و أوثرها على غيرها من النفوس من كونها لله لا لي فلهذا تكمل الفتوة في تركها المعلوم عند المحجوبين عن إدراك حقائق الأمور فإن مالكها أمرني بتقديمها في أداء الحقوق

[حكاية صاحب السفرة و التدقيق في شأن الفتوة التي هي شرف الفطرة]

و أما حكاية صاحب السفرة و هي أن شيخا من المشايخ جاءه أضياف فأمر تلميذه أن يأتيه بسفرة الطعام فأبطأ عليه فسأله ما أبطأ بك فقال وجدت النمل على السفرة فلم أر من الفتوة إن أخرجهم فتربصت حتى خرجوا من نفوسهم فقال له الشيخ لقد دققت فجعل هذا الفعل من تدقيق باب الفتوة و نعم ما قال و نعم ما فاته فلو قال أحد لهذا الشيخ كيف شهد له بالتدقيق في الفتوة على جهة المدح و الأضياف متالمون بالتأخير و الانتظار و مراعاة الأضياف أولى من مراعاة النمل فإن قال الشيخ النمل أقرب إلى اللّٰه من حيث طاعتهم لله من الإنسان لما يوجد فيه من المخالفة و كراهة بعض الأمور التي هي غير مستلذة قلنا و جلد الإنسان و جوارحه و شعره و بشره ناطق بتسبيح اللّٰه تعالى كالنمل و لهذا تشهد يوم القيامة على النفس الناطقة الكافرة الجاحدة قال تعالى وَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا و قال يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ فهم عدول و شهادتهم مقبولة فكان الأولى مراعاة الأضياف الذين أمر الشارع بتعجيل تقديم الطعام لهم فلو تفتي هذا الخادم و ترك السفرة للنمل و استأذن الشيخ و عرفه بالقصة و نظر في تقديم أمر آخر للاضياف كان أولى و أدق في الفتوة

(الباب الثامن و الأربعون و مائة في معرفة مقام الفراسة و أسرارها)



إن الفراسة نور النقل جاء به لفظ النبي الرسول المصطفى الهادي
رب الفراسة من كان الإله له عينا و سمعا و ذاك الناشىء الشادى
و ما النهاية إلا أن يقوم به عكس القضية في غيب و إشهاد

[الفراسة نعت إلهى قهرى حكمها متعلق بالشاردين]

الفراسة من الافتراس فهو نعت إلهي قهري حكمه في الشوارد خوفا من صاحب هذه الصفة و الشرود سببه خوف طبيعي إما على النفس إن تفارق بدنها الذي ألفته و ظهر سلطانها فيه و إما من حيث ما ينسب إليها من الذم الذي يطلقه عليها المفترس بالفراسة الطبيعية أو بالفراسة الإلهية فلهذا لا تتعلق إلا بالشاردين لأن الغالب على العالم الجهل بنفوسهم و سبب جهلهم التركيب فلو كانوا بسائط غير مركبين من العناصر لم يتصفوا بهذا الوصف

[المتفرس له علامات في التفرس فيه بتلك العلامات يستدل عليه و بها يهديه]

فاعلم أن الفراسة إذا اتصف بها العبد له في المتفرس فيه علامات بتلك العلامات يستدل و العلامات منها طبيعية مزاجية و هي الفراسة الحكمية و منها روحانية نفسية إيمانية و هي الفراسة الإلهية و هو نور إلهي في عين بصيرة المؤمن يعرف به إذ يكشف له ما وقع من المتفرس فيه أو ما يقع منه أو ما يؤول إليه أمره ففراسة المؤمن أعم تعلقا من الفراسة الطبيعية فإن الفراسة غاية ما تعطي من العلوم العلم بالأخلاق المذمومة و المحمودة و ما يؤدي إلى العجلة في الأشياء و الريث فيها و الحركات البدنية كلها و سأورد في هذا الباب طرفا منهما أعني من الفراستين بعد تحقيق ماهيتهما

[الفراسة الإلهية تعطى ما تعطيه الفراسة الطبيعية و زيادة]

و الفراسة الإلهية تتعلق بعلم ما تعطيه الفراسة الطبيعية و زيادة و هي إنها تعطي معرفة السعيد من الشقي و معرفة الحركة من الإنسان المرضية عند اللّٰه من غير المرضية التي وقعت منه من غير حضور صاحب هذا النور فإذا حضر بين يديه بعد انقضاء زمان تلك الحركة و قد ترك ذلك العمل في العضو الذي كان منه ذلك العمل علامة لا يعرفها إلا صاحب الفراسة فيقول له فيها بحسب ما كانت الحركة من طاعة و معصية كما اتفق لعثمان رضي اللّٰه عنه و ذلك أنه دخل عليه رجل فعند ما وقعت عليه عينه قال يا سبحان اللّٰه ما بال رجال لا يغضون أبصارهم عن محارم اللّٰه و كان ذلك الرجل قد أرسل نظره فيما لا يحل له إما في نظره إلى عورة إنسان أو نظر في قعر بيت مسكون و ما أشبه ذلك فقال له الرجل أ وحي بعد رسول اللّٰه ص فقال لا و لكنها فراسة أ لم تسمع إلى

قول رسول اللّٰه ص اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّٰه و عند ما دخلت على رأيت ذلك في عينيك فهذا معنى قولنا إنها تترك علامة في العضو الذي كان منه ذلك العمل المحمود أو المذموم

[الفراسة الطبيعية و معطياتها]

و الفراسة الطبيعية تعطي معرفة المعتدل في جميع أفعاله و أقواله و حركاته و سكناته و معرفة المنحرف في ذلك كله فيفرق بالنظر في أعضائه و نشأة كل عضو بين الأخرق و العاقل و الذكي و الفطن و الفدم الغمر و الشبق و غير الشبق و الغضوب و غير الغضوب و الخبيث و غير الخبيث و الخداع المحتال و السليم المسلم و النزق و غير النزق و ما أشبه هذا

[الفراسة الإيمانية نور في عين البصيرة كالنور لعين البصر]

فاعلم أولا أن الفراسة الإيمانية و بها نبدأ أنها نور

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 235
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست