responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 232

على الإطلاق و لو افتقر بنوع ما فليس بغني مطلق و لكان من جملة العالم فيكون علامة تدل على مرجحه فهو غني على الإطلاق و من له هذا الغني ثم أوجد العالم فما أوجده لافتقاره إليه و إنما أوجد العالم للعالم إيثارا له على انفراده بالوجود و هذا هو عين الفتوة

[صورة الفتوة في خلق اللّٰه العالم]

و من الفتوة الإلهية الخبران القرآني و النبوي فأما القرآن فقوله وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ و صورة الفتوة هنا إنه خلقهم لينعمهم بالوجود و يخرجهم من شر العدم و يمكنهم من التخلق بالأسماء الإلهية و يجعل منهم خلفا و هذا كله إيثار لهم على انفراده بكل ما استخلفهم فيه ثم علم إن الامتنان يقدح في النعمة عند المنعم عليه فستر ذلك إيثارا لهم بقوله وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ فأظهر أنه خلقهم من أجله لا من أجلهم

[خلق الأشياء من أجل الإنسان و خلق الإنسان من أجل الرحمن]

و

في الخبر النبوي الموسوي أنه تعالى خلق الأشياء من أجلنا و خلقنا من أجله و ستر بهذا قوله وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ليفهم الجميع بإعلامه أنهم يسبحون بحمده حتى لا نشم فيه رائحة الامتنان ففي الخبر الموسوي حكم الفتوة أنه خلق الأشياء من أجلنا إيثارا لنا على انفراده بالوجود كما خلقنا و قوله وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ غطاء حتى لا يشم فيه رائحة المنة مثل قوله في حقنا إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ سواء

[اثبات الأعيان الثابتة التي ذهبت إليها المعتزلة]

و أما الخبر النبوي الثاني من الخبرين فما

روى عن رسول اللّٰه ص عن اللّٰه سبحانه أنه قال كنت كنزا لم أعرف فأحببت إن أعرف فخلقت الخلق و تعرفت إليهم فعرفوني ففي قوله كنت كنزا إثبات الأعيان الثابتة التي ذهبت إليها المعتزلة و هي قوله إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ

[المحبة لا تتعلق إلا بمعدوم]

فهذا الخبر من الفتوة كيف كنى عن نفسه أنه أحب أن يعرف و من هذه صفته غطى على ما يجب له من الغني المطلق لأن المحبة لا تتعلق إلا بمعدوم و قد يكون ذلك المعدوم في معدوم أو في موجود فإن كان في معدوم فلا بد أيضا من وجوده حتى يظهر فيه ما أحب إيجاده و إن كان في موجود فأظهر فيه ما أحببته فلا بد أن يكون ما ذكره سترا على الغني المطلق و إيثار الجناب هذا المحبوب حيث تعلق به من له الغني فيورثه عزة في نفسه حيث كان مقصودا لمن له صفة الغني

[سبب الوجود هو ظهور الكمال الوجودي و العلمي]

و كان سبب الوجود إن الوجود و العلم طلبا بالحال من اللّٰه كمال مرتبتهما في التقسيم العقلي فأوجدهما منة لظهور الكمال الوجودي و العلمي هذا أصله منة منه فأعرض عن هذا و نسب وجود العالم لمحبته أن يعرف حتى لا يشم منه كمال الوجود و العلم رائحة المنة أيضا كما ذكر في القرآن سواء و إذا كان الحق قد نزل مع عباده في مكارم الأخلاق التي هي الفتوة إلى هذا الحد فالعبد أولى بهذه الصفة أن يتخلق بها

[الفتوة إظهار المنن و الآلاء و ستر العطاء و الاستعلاء]

فالفتوة على الحقيقة إظهار الآلاء و المنن و ستر المنة و الامتنان كما قال لاٰ تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ تخلقا إلهيا فإنه سبحانه تصدق علينا بالوجود و المعرفة به و ما من علينا بذلك و أما قوله بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ معناه أنه لو من لكان المن لله لما منوا عليه ص بالإسلام قال اللّٰه تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قال اللّٰه لمحمد ص قُلْ لاٰ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاٰمَكُمْ ثم آثر محمدا ص على نفسه سبحانه حتى لا يجعل له نعتا فيما أجرى عليه لسان ذم فقال له قل لهم بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدٰاكُمْ لِلْإِيمٰانِ و لو شاء لقال بل أنا أمن عليكم إن هداكم اللّٰه بي للإيمان الذي رزقكم بتوحيده و أسعدكم به فما جعله تعالى محلا للمن هذا من الفتوة الإلهية التي لا يشعر بها

[حكم الفتوة موجود في الحق و إطلاقها عليه لم يرد في الشرع]

فحكمها موجود في الحق و إطلاقها لم يرد لا في كتاب و لا سنة كما يعلم قطعا أنه لا فرق بين قولنا علمت الشيء و عرفته و أنا عالم بالشيء أو عارف و مع هذا ورد إطلاق اسم العالم و العليم و العلام عليه تعالى و ما ورد إطلاق الاسم العارف عليه فما يلزم من الأمر الذي لله منه حكم أن يطلق عليه منه اسم فأسماؤه من حيث إطلاقها عليه موقوفة على ورودها منه فلا يسمى إلا بما سمي به نفسه و إن علم فيه مدلول ذلك الاسم فالتوقيف في الإطلاق أولى

[الفتوة و الشطح]

و ما فعل هذا سبحانه كله إلا ليعلم الخلق الأدب معه إذا و قد علم إن من أهل اللّٰه من له شطحات ليتأدبوا فلا يشطحوا فإن الشطح نقص بالإنسان لأنه يلحق نفسه فيه بالرتبة الإلهية و يخرج عن حقيقته فيلحقه الشطح بالجهل بالله و بنفسه و قد وقع من الأكابر و لا أسميهم لأنه صفة نقص و أما رعاع الناس فلا كلام لنا معهم فإنهم رعاع بالنظر إلى هؤلاء السادة و إذا وقع مثل هذا من السادة فعليهم يقع العتب منا و قد يشطح أيضا الأدنى على الأعلى كمثل الشطحات على مراتب الأنبياء و هي أعظم عند اللّٰه في المؤاخذة من شطحهم على اللّٰه فإن مرتبة الإله تكذبهم بالحال و عند السامع و أما شطحتهم على الأنبياء فموضع شبهة يمكن أن تقبل الصحة في نفس الأمر فيغتر بها السامع الحسن الظن به الذي

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 232
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست