responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 218

تشاجر أ لا ترى أنه ما وقع التحجير على آدم إلا في الشجرة أي لا تقرب التشاجر و ألزم طريقة إنسانيتك و ما تستحقه و اترك الملك و ما يستحقه و الحيوان و ما يستحقه و كل ما سواك و ما يستحقه و لا تزاحم أحدا في حقيقته فإن المزاحمة تشاجر و خلاف و لهذا لما قرب من الشجرة خالف نهي ربه فكان مشاجرا فذهبت عنه في تلك الحال السعادة العاجلة في الوقت و ما ذهبت عنه استقامة التشاجر فإنه وفاها حقها بمخالفة النهي الإلهي

[اعوجاج القوس هو استقامته لما أريد له]

اعوجاج القوس استقامته لما أريد له فما في الكون إلا استقامة فإن موجدة و هو اللّٰه تعالى على صراط مستقيم من كونه ربا فإن دخلت السبل بعضها على بعض و اختلطت فما خرجت عن الاستقامة استقامة الأخلاط و استقامة ما وجدت له فهي في الاستقامة المطلقة التي لها الحكم في كل كون و هي قوله وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ... وَ هُوَ عَلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ ... فَاعْبُدْهُ أي تذلل له في كل صراط يقيمك فيه لا نتذلل لغيره فإن غيره عدم و من قصد العدم لم تظفر يداه بشيء ثم إنه جاء بضمير الغائب في قوله فَاعْبُدْهُ أي لا تقل أنت المدرك فإن الأبصار لا تدركه إذ لو أدرك الغيب ما كان غيبا فاعبد ذاتا منزهة مجهولة لا تعرف منها سوى نسبتك إليها بالافتقار و لهذا تمم فقال وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ أي اعتمد عليه وَ مٰا رَبُّكَ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ قطع بهذا ظهر المدعين في هذا المقام إذا لم يكن صفتهم و لا حالهم و لا وصل إليهم علمه فالاستقامة سارية في جميع الأعيان من جواهر و أعراض و أحوال و أقوال كما قال وَ أَقْوَمُ قِيلاً و هي نعت إلهي و كوني جعلنا اللّٰه ممن لم يعدل عن استقامته إلا باستقامته آمين بعزته

[الاستقامة بلسان عامة أهل اللّٰه]

و أما الاستقامة بلسان عامة أهل اللّٰه فهي أن تقول الاستقامة عامة في الكون كما قررنا فما ثم طريق إلا و هو مستقيم لأنه ما ثم طريق إلا و هو موصل إلى اللّٰه و لكن قال اللّٰه تعالى لنبيه و لنا فَاسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ لم يخاطبه بالاستقامة المطلقة فإنه قد تقرر أن إِلَى اللّٰهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ و أنه غاية كل طريق و لكن الشأن إلى أي اسم تصل و تصير من الأسماء الإلهية فينفذ في الواصل إليه أثر ذلك الاسم من سعادة و نعيم أو شقاوة و عذاب فمعنى الاستقامة الحركات و السكنات على الطريقة المشروعة

[الصراط المستقيم رأسه منازله أحواله أحكامه]

و الصراط المستقيم هو الشرع الإلهي و الايمان بالله رأس هذا الطريق و شعب الايمان منازل هذا الطريق التي بين أوله و غايته و ما بين المنزلين أحواله و أحكامه و لما كان الصراط المستقيم مما تنزلت به الملائكة المعبر عنها بالأرواح العلوية و هي الرسل من اللّٰه إلى المصطفين من عباده المسمين أنبياء و رسلا جعل اللّٰه بينها و بين من تنزل عليه من هؤلاء الأصناف نسبا جوامع بينهما بتلك النسب يكون الإلقاء من الملائكة و بها يكون القبول من الأنبياء فكل من استقام بما أنزل على هؤلاء المسمين أنبياء و رسلا من البشر بعد ما آمن بهم أنهم رسل اللّٰه و أنهم أخذوا ما جاءوا به عن رسل آخرين ملكيين تنزلت الملائكة عليهم أيضا بالبشرى و كانت لمن هذه صفته جلساء

[الأرواح العلوية و الاسم الذي تولاها من الحضرة الإلهية]

و لما كانت هذه الأرواح العلوية حية بالذات كان الاسم الذي تولاها من الحضرة الإلهية الاسم الحي كما كان المتولي من الأسماء الإلهية لمن كانت حياته عرضية مكتسبة الاسم المحيي فما عقل الملك قط الأحياء بخلاف البشر فإنهم كانوا أمواتا فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم : و لأهل هذه الحياة العرضية من العناصر ركن الماء قال تعالى وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ و قال وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ فالماء أصل العناصر و الأسطقسات و العرش الملك و ما تم الملك و كمل إلا في عالم الاستحالة و هو عالم الأركان الذي أصله الماء و لو لا عالم الاستحالة ما كان اللّٰه يصف نفسه بأنه كل يوم في شأن : فالعالم يستحيل و الحق في شأن حفظ وجود أعيانه يمده بما به بقاء عينه من الإيجاد فهو الشأن الذي هو الحق عليه و ليس لغير عالم الاستحالة هذه الحقيقة

[من استقام على الطريقة سقاه اللّٰه بماء الحقيقة]

و لما صار الماء أصلا لكل حي حياته عرضية كان من استقام سقاه اللّٰه ماء الحياة فإن كان سقي عناية كالأنبياء و الرسل حيي به من شاء اللّٰه و إن كان سقي ابتلاء لما فيه من الدعوى كان بحكم ما أريد بسقيه قال تعالى وَ أَنْ لَوِ اسْتَقٰامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنٰاهُمْ مٰاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ فهذا سقي ابتلاء

[الاستقامة انبعاث من رقدة الغفلات و قيام بحقوق الواجبات]

و إنما طلبت الاستقامة من المكلف في القيام بفرائض اللّٰه عليه فإن المكلف من جهة الحقيقة ملقى طريح عند باب سيده تجري عليه تصاريف الأقدار و ما أودع اللّٰه في حركات هذه الأكوار مما يجيء به الليل و النهار من تنوع الأطوار بين محو و إثبات لظهور آيات بعد آيات و قد جعل اللّٰه المكلف محلا للحياة و الحركات و طلب منه القيام من تلك الرقدة بما كلفه من القيام بحقه فأصعب ما يمر على العارفين أمر اللّٰه بالاستقامة و هو قوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ وَ مَنْ تٰابَ مَعَكَ

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست