responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 210

أفعالهم حتى يأتوا منها ما أمرهم اللّٰه و الدنيا شفيقة عليهم حدبة كثيرة الحنو خائفة أن تأخذهم الضرة الآخرة منها فإن الدار في هذا الوقت للدنيا و الحكم لها و لا ينبغي أن تعزل عنها كما إن الدار الآخرة لا تتعرض لها الدار الدنيا إذا انتقل الناس إليها فالدنيا أنصف من الآخرة في الحكم فإنها في دار سلطانها و إذا جاءت الآخرة و كان يومها لا تعترض الدنيا و لا تزاحم الآخرة فما أنصف أحد من الناس

[ما أنصف الدنيا أحد ذمت باساءة المسيء فيها و لم تحمد بإحسان المحسن فيها]

قال قتادة ما أنصف الدنيا أحد ذمت بإساءة المسيء فيها و لم تحمد بإحسان المحسن فيها فلو كانت بذاتها تعطي القبح و السوء ما تمكن أن يكون فيها نبي مرسل و لا عبد صالح كيف و اللّٰه قد وصفها بالطاعة فقال إن علوها و سفلها قالا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ و قال أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ الصّٰالِحُونَ و الصالح لا يرث إلا المال الصالح الذي يجوز له التصرف فيه فإنه عبد صالح و لم يقل إن جميع العباد يرثها فدل إن تركتها كان كسبا صالحا فورثه عباد اللّٰه الصالحون

قال رسول اللّٰه ص إذا قال أحدكم لعن اللّٰه الدنيا قالت الدنيا لعن اللّٰه أعصانا لربه فهذا ابن عاق لها كيف لعنها و صرح باسمها و الدنيا من حنوها على أبنائها لم تقدر أن تلعن ولدها فقالت لعن اللّٰه أعصانا لربه و ما قدرت إن تسميه باسمه فهذا حنو الأم و شفقتها على ولدها

[الدنيا نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير و بها ينجو من الشر]

فيا عجبا فينا لم نقف عند ما أمرنا اللّٰه به من طاعته و لا وفقنا و لا وفينا ما رأيناه من أخلاق هذه الأم و حنوها علينا و محبتها و

قال النبي ص نعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير و بها ينجو من الشر فوصفها بأن حذرها على أبنائها تذكرهم بالشرور و تهرب بهم منها و تزين لهم الخير و تشوقهم إليه فهي تسافر بهم و تحملهم من موطن الشر إلى موطن الخير و ذلك لشدة مراقبتها إلى ما أنزل اللّٰه فيها من الأوامر الإلهية المسماة شرائع فتحب إن يقوم بها أبناؤها ليسعدوا فهذا ص قد وصفها بأحسن الصفات و جعلها محلا للخيرات فينبغي لأهل المراقبة أن يكون بدؤهم في الدخول لاكتساب هذه الصفة أن يرقبوا أحوال أمهم لأن الطفل لا يفتح عينيه إلا على أمه فلا يبصر غيرها فيحبها طبعا و يميل إليها أكثر مما يميل إلى أبيه لأنه لا يعقل سوى من يربيه و بأفعالها ينبغي يقتدى

[لما ذا تغار الدنيا من الآخرة]

فإن قلت فلما ذا تغار من الآخرة قلنا لما كان الحكم لها و هي من الطاعة بهذه المثابة و ليس للآخرة هنا سلطان و الذي في الآخرة هو في الدنيا من اللذات و الآلام فالداران متساويتان فيصعب عليها أن يكون أبناؤها ينسبون إلى الآخرة و ما ولدتهم و لا تعبت في تربيتهم و بعد هذا كله فإن الناس نسبوا ما كانوا عليه من أحوال الشرور التي عينها الشارع إلى الدنيا و هي أحوالهم ما هي أحوال الدنيا لأن الشر هو فعل المكلف ما هو الدنيا و نسبوا ما كانوا عليه من أحوال الخير و مرضاة اللّٰه التي عينها الشارع للآخرة و هي أحوالهم ما هي أحوال الآخرة لأن الخير هو فعل المكلف ما هو الآخرة فللدنيا أجر المصيبة التي أصيبت في أولادها و من أولادها فمن عرف الدنيا بهذه المثابة فقد عرفها و من لم يعرفها بهذه المثابة و جهلها مع كونه فيها مشاهدا لأحوالها شرعا و عقلا فهو بالآخرة أجهل حيث ما ذاق لها طعما

[الغلط الذي يطرأ لأهل الطريق في كشفهم]

و هنا يطرأ غلط لأهل طريق اللّٰه في كشفهم إذ لو تيقنوا في هذه الدار و طولعوا بأحوال الآخرة فليست تلك الآخرة على الحقيقة و إنما هي الدنيا أظهرها اللّٰه لهم في عالم البرزخ بعين الكشف أو النوم في صورة ما جهلوه منها في اليقظة فإنهم غير عارفين منها ما ذكرناه فيقولون رأينا الجنة و النار و القيامة و يذكرون الرؤيا التي رأوها و أين الدار من الدار و أين الاتساع من الاتساع فذلك الذي رأوه حال الدنيا التي خلقها اللّٰه عليها من الخير و الطاعة و العدل في الحكومة و النصيحة و الوعظ و التذكرة

[قيامة الدنيا و جنتها و نارها]

فإنه معلوم أن القيامة ما هي الآن موجودة فإذا رؤيت في الحياة الدنيا فما هي إلا قيامة الدنيا و جنة الدنيا و نار الدنيا و أن الجنة و النار جاءتا خادمتين للدنيا

إذ قال ص بل رؤي في صلاة الكسوف يتقدم في قبلته ثم تأخر تأخرا كثيرا و مد يده حين تقدم فسئل عن ذلك أني رأيت النار حين رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها و رأيت الجنة حين تقدمت و حين مددت يدي لأقطف منها قطفا و لو خرجت به إليكم لأكلتم منه ما بقيت و ذكر أنه رأى في النار صاحبة الهرة و عمرو بن لحي الذي سيب السوائب و ذلك كله في حال الصلاة في يقظته و ما قال رأيت الآخرة و لا جنة الآخرة و لا نارها بل قال في عرض هذا الحائط و الحائط من الدار الدنيا و لذا

قال ع مثلت لي الجنة في عرض الحائط و لم يقل هي و قال رأيت الجنة و لم يصفها و ذكر التمثيل و تمثل الشيء ما هو عين الشيء بل هو شبهه و قال مثلت لي كما قال في جبريل ع فَتَمَثَّلَ لَهٰا بَشَراً سَوِيًّا أ ترى كان

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 210
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست