responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 209

العبد ربه و لا يعلم ذاته و لا نسبته إلى العالم فلا يتصور وجود هذه المراقبة لأنها موقوفة على العلم بذات المراقب بفتح القاف و ثم طائفة أخرى قالت بصحة تلك المراقبة فإن الشرع قد حدد كما ينبغي لجلاله فهو معنا أينما كنا : و هو عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ و هو في الأرض يعلم سرنا و جهرنا : و هو في السماء كذلك و ينزل إليها و هو الظاهر في عين كل مظهر من الممكنات فقد علمنا هذا القدر منه فنراقبه على هذا الحد فمراقبتنا للأشياء هي عين مراقبتنا إياه لأنه الظاهر من كل شيء فمن الناس من قال ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله يعني المراقبة و آخر بعده و آخر معه أو آخر فيه فمثل هؤلاء يصححون هذه المراقبة

[مراقبة الحياء]

و المراقبة الثانية مراقبة الحياء من قوله أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ فهو يراقب رؤيته و هي تراقبه فهو يرقب مراقبة الحق إياه فهذه مراقبة المراقبة و هي مشروعة

[مراقبة العبد قلبه و نفسه]

و المراقبة الثالثة هي أن يراقب قلبه و نفسه الظاهرة و الباطنة ليرى آثار ربه فيها فيعمل بحسب ما يراه من آثار ربه و كذلك في الموجودات الخارجة عنه يرقبها ليرى آثار ربه فيها منها و هو قوله سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي الْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ و لهذه المراقبة تعلق بالحق إذ لا فاعل إلا الحق

[المراقبة دوام المراعاة للموازين الشرعية الخمسة]

و المراقبة دوام المراعاة بحيث أن لا يتخللها وقت لا يكون العبد فيه مراقبا فاعلم ذلك و تحققه تعلم شئون ربك في نفسك و ما يدركه من الموجودات بصرك و ما يصل إليه فكرك و عقلك و ما يشهدك في مشاهدتك و ما تطلع عليه من الغيوب في كونك أو حيث كان و من هنا تعرف خواطرك و للمراقبة جاءت الموازين الشرعية و هي خمسة موازين الفرض و الندب و الإباحة و الحظر و الكراهة

[درجات المراقبة عند العارفين]

و للمراقبة درجات عند أرباب الأنس و الوصال من العارفين و مبلغها سبع مائة درجة و أربع و سبعون درجة و عند أرباب الأدب من العارفين ثلاث مائة درجة و تسع و سبعون درجة و عند الملامية من أهل الأنس سبعمائة و ثلاث و أربعون درجة و عند الأدباء منهم ثمان و أربعون و ثلاثمائة درجة و لها نسب إلى العوالم منها إلى عالم الملك نسبتان و إلى عالم الملكوت نسبة واحدة عند الأدباء من الطائفتين و ثلاث نسب عند أهل الأنس إلى عالم الجبروت

[واقعة برزخى وقعت لابن عربى ليلة تقييد هذا الباب]

و اعلموا أن اللّٰه تعالى أطلعني في ليلة تقييدي هذا الباب على أمر لم يكن عندي في واقعة وقعت لي برزخية قيل لي فيها أ لم تسمع أن الدنيا أم رقوب قلت نعم قيل لي فاجعل لها فصلا في هذا الباب فاستخرت اللّٰه على ذلك

(وصل)

قال رسول اللّٰه ص إن للدنيا أبناء و إذا كان لها أبناء فهي أم لهؤلاء الأبناء و من عادة الأم أن ترقب أبناءها لأنها المربية لهم و لها عليهم حنو الأمومة و الحذر عليهم إن تؤثر فيهم ضرتها و هي الآخرة فيميلون إليها فتحفظهم من مشاهدة خير الآخرة فتشتد مراقبتها لأحوالهم

[الدنيا هي الدار الأولى؟ القريبة إلينا الحفيظة علينا الرحيمة بنا]

ثم لتعلموا إن الدنيا هي الدار الأولى القريبة إلينا نشأنا فيها و ما رأينا سواها فهي المشهودة و هي الحفيظة علينا و الرحيمة بنا فيها عملنا الأعمال المقربة إلى اللّٰه و فيها ظهرت شرائع اللّٰه و هي الدار الجامعة لجميع الأسماء الإلهية فظهرت فيها آلاء الجنان و آلام النار ففيها العافية و المرض و فيها السرور و الحزن و فيها السر و العلن و ما في الآخرة أمر إلا و فيها منه مثل و هي الأمنية الطائعة لله أودعها اللّٰه أمانات لعباده لتؤديها إليهم و هذا هو الذي جعلها ترقب أحوال أبنائها ما يفعلون بتلك الأمانات التي أدتها إليهم هل يعاملونها بما تستحق كل أمانة لما وضعت له فمنها أمانة توافق غرض نفوس الأبناء فترقبهم هل يشكرون اللّٰه على ما أولاهم من ذلك على يديها و منها أمانات لا توافق أغراضهم فترقب أحوالهم هل يقبلونها بالرضى و التسليم لكونها هدية من اللّٰه فيقولون في الأولى الحمد لله المنعم المفضل و يقولون فيما لا يوافق الغرض الحمد لله على كل حال فيكونون من الحامدين في السراء و الضراء فتعطيهم الدنيا هذه الأمانات نقية طاهرة من الشوب

[أمزجة الأبناء الدنيا هي كالبقاع للماء و كالأوعية لما يجعل فيها من غذاء]

فبعض أمزجة الأبناء الذين هم كالبقعة للماء و الأوعية لما يجعل فيها فيؤثر مزاج تلك البقعة في الماء فإن الماء كله طيب عذب في أصله و هو المطر فإذا حصل في بقع الأرض و هي مختلفة البقاع في المزاج ظهر العذب في المزاج الحسن فأبقاه على أصله كما ورد طاهرا نظيفا و زاده من مزاجه طيبا و حلاوة زائدة على ما كان عليه و هو الماء النمير و بقعة أخرى جعلته ملحا أجاجا و بقعة أخرى جعلته قعاما مرا فأثر في الحال النقي هذه الأوعية و الشرع إنما تعلق بأفعال الأبناء لا بالأم بل قال وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً و بما قال فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ وَ لاٰ تَنْهَرْهُمٰا وَ قُلْ لَهُمٰا قَوْلاً كَرِيماً وَ اخْفِضْ لَهُمٰا جَنٰاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمٰا كَمٰا رَبَّيٰانِي صَغِيراً فما أوصى اللّٰه تعالى بهذه الأمور إلا لعلمه بأنه في الأبناء من يصدر منهم مثل هذه الأفعال فأمرهم إن يراقبوا هذه الأحكام في

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست