responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 207

سمي عذابا ما يقع به الآلام بشرى من اللّٰه لعباده أن الذي تتألمون به لا بد إذا شملتكم الرحمة أن تستعذبوه و أنتم في النار كما يستعذب المقرور حرارة النار و المحرور برودة الزمهرير و لهذا جمعت جهنم النار و الزمهرير لاختلاف المزاج فما يقع به الألم لمزاج مخصوص يقع به النعيم في مزاج آخر يضاده فلا تتعطل الحكمة و يبقي اللّٰه على أهل جهنم الزمهرير على المحرورين و النار على المقرورين فينعمون في جهنم فهم على مزاج لو دخلوا به الجنة تعذبوا بها لاعتدالها

[الصبر يتنوع بتنوع الأدوات]

ثم اعلم أن الصبر يتنوع بتنوع الأدوات فالصبر في اللّٰه إذا أوذى فيه و الصبر مع اللّٰه رؤية المعذب في العذاب و الصبر على اللّٰه حال فقده لربه بوجود نفسه غير مقترنة بوجود ربه و الصبر بالله أن يكون الحق عين صبره كما هو سمعه و بصره و الصبر من اللّٰه حال رفع الحول و القوة منك فلا تقول لا حول و لا قوة إلا بالله فيزول بالاستعانة و الصبر عن اللّٰه و هو أعظمها مقاما و هو الصبر الذي يزول بالموت و لا يوجد في الآخرة فإن صاحب هذا الصبر ينسب الصبر إليه نسبة الاسم الصبور إلى اللّٰه و لهذا يرتفع بزوال الدنيا و في العبد بزواله عن الدنيا و من زلت عنه فقد زال عنك فهؤلاء أخذوا الصبر عن اللّٰه كما تقول أخذت هذا العلم عن فلان فأنت فيه كهو

[حب الخير و ذكر الرب]

كذلك قول سليمان ع أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي لأنه سماه خيرا و الخير منسوب إلى اللّٰه فقال عن ذكر ربي إياه بالخيرية أحببته فطفق يمسح بيده على أعرافها و سوقها فرحا و إعجابا بخير ربه فإنه أحب حب الخير و حب الخير إما أن يريد حب اللّٰه إياه أو حب الخير من حيث وصف الخير بالحب و الخير لا يحب إلا الأخيار فإنهم محل وجود عينه فكذلك سليمان ع قال أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ أي أنا في حبي كالخير في حبه و لهذا لما تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ أعني الصافنات الجياد اشتاق إليها لأنه فقد المحل الذي أوجب له هذه الصفة الملذوذة فإنها كانت مجلى له فقال رُدُّوهٰا عَلَيَّ

[حكايات اليهود في تفسير القرآن الإسرائيليات]

و أما المفسرون الذين جعلوا التواري للشمس فليس للشمس هنا ذكر و لا للصلاة التي يزعمون ثم إنهم يأخذون في ذلك حكايات اليهود في تفسير القرآن و

قد أمرنا رسول اللّٰه ص أن لا نصدق أهل الكتاب و لا نكذبهم فمن فسر القرآن برواية اليهود فقد رد أمر رسول اللّٰه ص و من رد أمر رسول اللّٰه ص فقد رد أمر اللّٰه فإنه أمر أن نطيع الرسول و أن نأخذ ما أتانا به و أن ننتهي عما نهانا عنه إذ لا يوصلنا إلى أخبار هؤلاء الأنبياء الاسرائيليين إلا نبي فنصدقه أو أهل كتاب فنقف عند أخبارهم إذا لم يكن في كتابنا و لا قول رسولنا ص و لا في أدلة العقول ما يرده و لا يثبته و لا نقضي فيه بشيء و أما مساق الآية فلا يدل على ما قالوه بوجه ظاهر البتة

[حب سليمان ع للخيل عن ذكر ربه إياها]

و أما استرواحهم فيما فسروه بقوله وَ لَقَدْ فَتَنّٰا سُلَيْمٰانَ فليس تلك الفتنة و هو الاختبار إذا كان متعلقة الخيل و لا بد فيكون اختباره إذا رآها هل يحبها عن ذكري لها أو هل يحبها لعينها

فأخبر ص أنه أحبها عن ذكر ربه إياها لا نفسها مع حسنها و جمالها و حاجته إليها و هي جزء من الملك الذي طلب أن لا ينبغي لأحد من بعده : فأجابه الحق إلى ما سأل في المجموع و رفع الحرج عنه و قال له هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنٰا يعني في الآخرة لَزُلْفىٰ وَ حُسْنَ مَآبٍ أي ما ينقصه هذا الملك من ملك الآخرة شيء كما يفعله مع غيره حيث أنقصه من نعيم الآخرة على قدر ما تنعم به في الدنيا قال اللّٰه تعالى في حق قوم أَذْهَبْتُمْ طَيِّبٰاتِكُمْ فِي حَيٰاتِكُمُ الدُّنْيٰا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِهٰا

[الصبر عن اللّٰه أعظم أنواع الصبر]

فالصبر عن اللّٰه بهذا التفسير أعظم أنواع الصبر و أما الصبر عن اللّٰه على ما يتخيله العامة من الصبر عن كذا لمفارقته إياه فليس ذلك من شأن أهل اللّٰه و الشبلي لما غشى عليه من قول الشاب إن الصبر عن اللّٰه أعظم الصبر غشى عليه لعظم المقام الذي لا يناله إلا الكمل من الرجال فلما لاح للشبلي من كلام الشاب كان وارده أقوى من محل الشبلي فلذلك أثر فيه الغشي و هكذا كل وارد يكون أقوى من قوة المحل فإنه يفعل فيه الغشي و الصعق و ليس لأهل اللّٰه قدم في الصبر عن اللّٰه على تفسير العامة

[درجات الصبر عند العارفين]

و للصبر درجات عند العارفين من أهل الأنوار ثلاثمائة و ثلاث و عشرون درجة و عند أهل الأسرار منهم مائتان و ثلاث و تسعون درجة و عند الملامية من أهل الأنوار مائتان و اثنتان و تسعون و عند أهل الأسرار منهم مائتان و اثنتان و ستون درجة

(الباب الخامس و العشرون و مائة في معرفة مقام ترك الصبر و أسراره)

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست