responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 200

الممكنين اعتمدنا عليه في ذلك على التعيين و صدقناه لأنه بالدليل و العلم النظري فعلم صدقه فسكوننا و عدم اضطرابنا عند فقد الأسباب إنما هو من إيماننا بضمانه فلو بقينا مع العلم اضطربنا فالعالم إذا سكن فمن كونه مؤمنا و كونه مؤمنا من كونه عالما بصدق الضامن

[الوكالة من يستحقها اللّٰه أم العالم أم لكل منهما نصيب]

و تحقيق الوكالة من يستحقها هل اللّٰه أو هل العالم أو هل لله منها نصيب و للعالم نصيب فاعلم إن الوكالة لا تصح إلا في موكل فيه و ذلك الموكل فيه أمر يكون للموكل ليس لغيره فيقيم فيه وكيلا و يتصرف فيما للموكل أن يتصرف فيه مطلقا فمن نظر أن الأشياء ما عدا الإنسان خلقت من أجل الإنسان كان كل شيء له فيه مصلحة يطلبها بذاته ملكا له و لما جهل مصالح نفسه و مصالحه ما فيها سعادته خاف من سوء التصرف في ذلك و

قد ورد فيما أوحى اللّٰه لموسى يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك و خلقتك من أجلي

[حظ الناظر الأول في تحقيق الوكالة و من يستحقها]

فقال إذ و قد خلق الأشياء من أجلي فما خلق إلا ما يصلح لي و أنا جاهل بالمصلحة التي في استعمالها نجاتي و سعادتي فلنوكله في أموري فهو أعلم بما يصلح لي فكما أنه خلقها هو أولى بالتصرف فيها هذا يقتضيه نظري و عقلي من غير إن يقترن بذلك أمر إلهي فكيف و قد ورد به الأمر الإلهي فقال لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً نبه بهذا الأمر أنه لا ينبغي الوكالة إلا لمن هو إله لأنه عالم بالمصالح إذ هو خالقها كما قال أَ لاٰ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فاتخذه المؤمن العالم وكيلا و سلم إليه أموره و جعل زمامها بيده كما هو في نفس الأمر فما زاد شيئا مما هو الأمر عليه في الوجود و مدحه اللّٰه بذلك و ما أثر في الملك شيئا و هذا غاية الكرم الثناء بالأثر على غير المؤثر بل الكل منه و إليه فهذا حظ الناظر الأول

[حظ الناظر الثاني في تحقيق الوكالة و من يستحقها]

و الناظر الثاني هو أن يقول ما خلق اللّٰه الأشياء من أجل الأشياء و إنما خلقها ليسبحه كل جنس من الممكنات بما يليق به من صلاة و تسبيح لتسري عظمته في جميع الأكوان و أجناس الممكنات و أنواعها و أشخاصها فقال كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاٰتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ و قال وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فالكل له تعالى ملك و إذا كان الأمر على هذا و لم يخلق على الصورة الإلهية سوانا و وصف نفسه بالغيب عن الأشياء و أسدل الحجب بينها و بين أن ندركه فهو يدركها و لا تدركه لأنها لا تعرفه فأقام الإنسان خليفة و هو الوكيل فقال وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فحد لنا في الوكالة أمورا لا نتعداها فما هي وكالة مطلقة مثل ما وكلناه نحن فحد حدودا لنا إن تعديناها تعدينا حدود اللّٰه وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

[حظ الناظر الثالث في تحقيق الوكالة و من يستحقها]

و على النظر الأول جاء القرآن كله فإنه ما قال إلا توكلوا و قال المتوكلون فرجح النظر الأول و هو أن نتخذ وكيلا في المصلحة لنا لا في الأشياء فيجمع بين النظرين و هي حالة ثالثة شهدناها و ما رأيناها لأحد من طريقتنا فقلنا إنه خلق الأشياء له لا لنا و أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و من خلقنا افتقارنا إلى ما يكون به صلاحنا حيث كنا من دنيا و آخرة و لا نعلم طريقنا إلى المصلحة لأنه ما خلق الأشياء من أجلنا فوكلناه ليسخر لنا من هذه الأشياء ما يرى فيه المصلحة لنا امتنانا منه و امتثالا لأمره فنكون في توكلنا عليه عبيدا مأمورين ممتثلين أمره نرجو بذلك خيره فوقع التوكل في المصالح لا في عين الأشياء و هذا برزخ دقيق لا يشعر به كل أحد للطافته و هو جمع بين الاثنين و تثبيت للحكمين و إن كان قد تكلم أهل هذا المقام فيه و ما من أحد منهم إلا نزع لأحد الطرفين من غير جمع بينهما

[حالات المتوكلين العارفين مع وكيلهم و هو اللّٰه رب العالمين]

فالرجال المنعوتون بهذا المقام منهم من يكون بين يدي اللّٰه فيه كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء و لا يعترض عليه في شيء و منهم من حالته فيه حال العبد مع سيده في مال سيده و منهم من حاله فيه حال الولد مع والده في مال ولده و منهم من حاله فيه حال الوكيل مع موكله بجعل كان أو بغير جعل

[التوكل لا يصح في الإنسان على الإطلاق على الكمال]

و الذي عليه المحققون و به نقول إن التوكل لا يصح في الإنسان على الإطلاق على الكمال لأن الافتقار الطبيعي بحكم ذاته فيه و الإنسان مركب من أمر طبيعي و ملكوتي و لما علم الحق أنه على هذا الحد و قد أمر بالتوكل و ما أمر به إلا و هو ممكن الاتصاف به و قد وصف نفسه بالغيرة على الألوهية فأقام نفسه مقام كل شيء في خلقه إذ هو المفتقر إليه بكل وجه و في كل حال فقال يا أيها الناس و ما خص مؤمنا و لا غيره أَنْتُمُ الْفُقَرٰاءُ إِلَى اللّٰهِ وَ اللّٰهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فما افتقرتم إليه من الأشياء هو لنا و بأيدينا و ما هو لنا فما يطلب إلا منا فإلينا الافتقار لا إليه إذ هو غير مستقل إلا بنا

[الأحوال التي يصح اتصاف التوكل بها]

و ليكن للتوكل أحوال يصح الاتصاف بها بها يسمى توكلا و بلغني عن واحد من أهل طريق اللّٰه أنه قال بما أشرنا إليه في هذه المسألة متنا و ما شممنا لهذا التوكل رائحة لأنه يطلب سريانه في الكل للافتقار الطبيعي الذي فيه و التوكل مقام لا يتبعض إلا بالمجاز و نحن أهل

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 200
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست