نفسه لأن العارفين لهم أعين في قلوبهم فتحتها لهم المعرفة يرون بها منك ما تجهله أنت من نفسك لأنه ليست لك تلك العين و لهذا قال الجنيد العارف من ينطق عن سرك و أنت ساكت و السكوت عدم الكلام فمعناه يعرف منك ما لا تعرفه أنت من نفسك كالخفي من سوء المزاج يعرفه الطبيب منك إذا نظر إليك و لا تعرفه أنت و هؤلاء أطباء النفوس
[الحذر من أخذ الإرفاق من النساء و من صحبة الأحداث]
و اعلموا أن الشيوخ إنما حذروا من أخذ الإرفاق من النساء و من صحبة الأحداث لما ذكرناه من الميل الطبيعي فلا ينبغي للمريد أن يأخذ رفقا من النساء حتى يرجع هو في نفسه امرأة فإذا تأنث و التحق بالعالم الأسفل و رأى تعشق العالم الأعلى به و شهد نفسه في كل حال و وقت و وارد منكوحا دائما و لا يبصر لنفسه في كشفه الصوري و حاله ذكرا و لا أنه رجل أصلا بل أنوثة محضة و يحمل من ذلك النكاح و يلد و حينئذ يجوز له أخذ الرفق من النساء و لا يضره الميل إليهن و حبهن و أما أخذ العارفين فمطلق لأن مشهودهم اليد الإلهية المقدسة المطلقة في الأخذ و العطاء و كل شخص يعرف حاله و الطريق صدق كله وجد لا يقبل الهزل و لا الطفيلي عنده و إن سامح الحق
(الباب التاسع و مائة)
في معرفة الفرق بين الشهوة و الإرادة و بين شهوة الدنيا و شهوة الجنة و الفرق بين اللذة و الشهوة و معرفة مقام من يشتهي و يشتهي و من لا يشتهي و لا يشتهي و من يشتهي و لا يشتهي و من يشتهي و لا يشتهي
رب الإرادة سيد متحكم تجري أمور الكائنات بوفقه و الاشتهاء من الطبيعة أصله فمن اشتهى فالطبع مالك رقة لا يفرحن أبدا عبيد طبيعة في ملكه في المنزلين بعتقه و الالتذاذ تقسمت أحكامه في كل موجود بطالع أفقه فتراه و الأعيان تطلب حقها يعطي لكل منه واجب حقه يعطي الجزيل و ما له ملك سوى ما أودع الملك الجواد بحقه الوهب يأتيه بكل فضيلة تبدو عليه بخلقه و بخلقه فعطاؤه الممزوج يشهد أنه فيما يجود عطاءه من صدقه أما العبيد فرزقهم معبودهم فالكل إن حققت عابد رزقه
[المتمكن الكامل و العابد من أهل اللّٰه]
اعلم أيدك اللّٰه أن المتمكن الكامل و العابد أيضا من أهل اللّٰه صاحب المقام يشتهي و يشتهي لكماله فيعطي كل ذي حق حقه فإنه يشاهد جمعيته ففيه من كل شيء حقيقة
[صاحب الحال صاحب فناء]
و صاحب الحال صاحب فناء لا يشتهي و لا يشتهي لأنه لا يشهد سوى الحق بعين الحق في حال فناء عن رؤية نفسه فلا يشتهي لأن الحق لا يوصف بالشهوة و لا يشتهي لأنه مجهول لا يعرف غير ربه لا تعرف الأكوان و لا نفسه لغيبته بربه عن الكل فهو غيب لا يشتهي لأن العلم بالمشتهى من لوازم هذا الحكم
[الزاهد و المخلط]
و الزاهد لا يشتهي و يشتهي فإن النعم له خلقت فهو يراها حجبا موضوعة فينفر منها فلا يشتهيها و هي تشتهيه لعلمها بأنها خلقت له فيتناولها الزاهد جودا منه عليها و إيثارا إذا كان صاحب مقام و المخلط الكاذب الذي يعصي اللّٰه بنعمه يشتهي و لا يشتهي فيشتهي لغلبة الطبع عليه و لا يشتهي لأن النعم إنما تشتهي من تراه يقوم بحقها و هو شكر المنعم على ما أنعم اللّٰه به عليه
[الشهوة إرادة طبيعية مقيدة]
ثم اعلم أن الشهوة إرادة طبيعية مقيدة و الإرادة صفة إلهية روحانية طبيعية متعلقها لا يزال معدوما و هي أعم تعلقا من الشهوة فإن كل حقيقة منهما تتعلق بالمناسب و المناسب ما يشركها في الأصل فلا تتعلق الشهوة إلا بنيل أمر طبيعي فإن وجد الإنسان ميلا إلى غير أمر طبيعي كميله إلى إدراك المعاني و الأرواح العلوية و الكمال و رؤية الحق و العلم به فلا يخلو عند هذا الميل أما أن يميل إلى ذلك كله بطريق الالتذاذ عن تخيل صوري فذلك تعلق الشهوة و ميلها لأجل الصورة فإن الخيال إذا جسد ما ليس بجسد فذلك من فعل الطبيعة و إن تعلق ذلك الميل بغير هذا التخيل الحاصل بل يبقى المعاني و الأرواح و الكمال على حاله من التجرد عن التقييد و ضبط الخيال له بالتخيل فذلك ميل الإرادة لا ميل الشهوة لأن الشهوة لا مدخل لها في المعاني المجردة