responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 158

تلحق بعالم الغيب و المعينات تلحق بعالم الشهادة لأن المضمر صالح لكل معين لا يختص به واحد دون آخر فهو مطلق و المعين مقيد فإنك إذا قلت زيد فما هو غيره من الأسماء لأنه موضوع لشخص بعينه و إذا قلت أنت أو هو أو إنك فهو ضمير يصلح لكل مخاطب قديم و حديث فلهذا فرقنا بين المضمر و المعين بالاسم أو الصفة و الصفة برزخية بين الأسماء و بين الضمائر فإنك إذا قلت المؤمن أو الكاتب فقد ميزته من غير المؤمن فأشبه زيدا من وجه ما عينته الصفة و أشبه الضمائر من وجه إطلاقه على كل من هذه صفته غير إن الضمير الخطابي مثلا يعم كل مخاطب كائنا من كان من مؤمن و غير مؤمن و إنسان و غير إنسان

[تقوى اللّٰه حق تقاته و تقوى اللّٰه على الاستطاعة]

فتقوى اللّٰه حق تقاته هو رؤية المتقي التقوى منه و هو عنها بمعزل ما عدى نسبة التكليف به فإنه لا ينعزل عنها لما يقتضيه من سوء الأدب مع اللّٰه فحال المتقي لله حق تقاته كحال من شكر اللّٰه حق الشكر و قد تقدم معنى ذلك و هذه الآية من أصعب آية مرت على الصحابة و تخيلوا أن اللّٰه خفف عن عباده بآية الاستطاعة في التقوى و ما علموا أنهم انتقلوا إلى الأشد و كنا نقول بما قالوه و لكن اللّٰه لما فسر مراده بالحقية في أمثال هذا هان علينا الأمر في ذلك و علمنا إن تقوى اللّٰه بالاستطاعة أعظم في التكليف فإنه عزيز أن يبذل الإنسان في عمله جهد استطاعته لا بد من فضلة يبقيها و في حق تقاته ليس كذلك و علمنا إن اللّٰه أثبت العبد في الاستطاعة فلا ينبغي أن ننفيه عن الموضع الذي أثبته الحق فيه فإن ذلك منازعة لله و في حق تقاته أثبت له النظر إليه في تقواه و هو أهون عليه فما كان شديدا عندهم كان في نفس الأمر أهون و عند من فهم عن اللّٰه و ما كان هينا عندهم كان في نفس الأمر شديدا و عند من فهم عن اللّٰه جعلنا اللّٰه ممن فهم عنه خطابه فأتاه رحمة من عنده و هو ما أعطاه من الفهم و علمه من لدنه علما فلم يكله إلى عنديته و لا إلى نفسه بل تولى تعليمه ليريحه لما هو عليه من الضعف

[حال التبري و حال الدعوى]

و لو لا إن العبد ادعى الاستطاعة في الأفعال و الاستقلال بها ما أنزل اللّٰه تكليفا قط و لا شريعة و لهذا جعل حظ المؤمن من هذه الدعوى أن يقول وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ و قال في حقنا و حق أمثالنا ممن تبرأ من الأفعال الظاهر وجودها منه قولوا لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم عن أن يشارك فيها فهي له خالصة فكم بين الحالين بين التبري و الدعوى فالمدعي مطالب بالبرهان على دعواه و المتبرئ غير مطالب بذلك و لا تقل إن التبري دعوى فإن التبري لا يبقي شيئا و على ذلك ينطلق اسم المتبرئ و نحن نتكلم في الأمر المحقق فإن كتابنا هذا بل كلامنا كله مبناه في الكلام على الأمور بما هي عليه في أنفسها و التبري صفة إلهية سلبية و العبد حقيقته سلب و الدعوى صفة إلهية ثبوتية لا تنبغي إلا لله عز و جل و العبد إذا اتصف بها لم يزاحم اللّٰه فيها و يقول لا حول و لا قوة إلا بالله و مهما قال وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فإنما يقولها تاليا لا حقيقة فله ما نوى و هو بحيث علم و لو لا ما ظهر العبد بالدعوى ما قيل له فَاتَّقُوا اللّٰهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ بالقوة التي جعلتها لكم فيكم بين الضعفين فمن تنبه على إن قوته مجعولة و أنها لمن جعلها لم يدع فيها بل هي أمانة عنده لا يملكها و الإنسان لا يكون غنيا إلا بما يملكه و الأمانة عارية لا تملك مأمور من هي عنده بردها إلى أهلها و هو قوله لا حول و لا قوة إلا بالله أي القوة قائمة بالله لا بنا فالمدعون في القوة يجعلون ما من قوله مَا اسْتَطَعْتُمْ مصدرية و أهل التبري يجعلونها للنفي في الآية فنفى عندهم الاستطاعة في التقوى و أثبتها عند من جعلها مصدرية

[رد جميع الأمور إلى اللّٰه و التعويل عليه في كل شئون الحياة]

و لما كان المعنى في التقوى أن تتخذ وقاية مما ينسب إلى المتقي فإذا جاءت النسبة حالت الوقاية بينها و بين المتقي أن تصل إليه فتؤذيه فتلقتها الوقاية فلا أحد أصبر على أذى من اللّٰه فإن السهم و الطعن و الحجر و الضرب بالسيف و ما أشبه ذلك عند المثاقف إنما تتلقاها الوقاية و هي المجن الذي بيده و هو من ورائها ماسك عليها لكنه يحتاج إلى ميزان قوي لأمور عوارض عرضت للنسبة تسمى مذمومة فيقبلها العبد و لا يجعل اللّٰه وقاية أدبا و إن كان لا يتلقاها إلا اللّٰه في نفس الأمر و لكن الأدب مشروع للعبد في ذلك و لا تضره هذه الدعوى لأنها صورة لا حقيقة و إذا علم اللّٰه ذلك منك جازاك جزاء من رد الأمور إليه و عول في كل حال عليه و سكن تحت مجاري الأقدار و تفرج فيما يحدث اللّٰه في أولاد الليل و النهار فهذا تقوى اللّٰه قد أومأنا إلى تحقيقه إيماء فإن للكلام في معناه مجالا رحبا يطول فاكتفينا بهذا و انتقلنا إلى تقوى الحجاب و الستر و الكل من تقوى اللّٰه فإنه الأصل انتهى الجزء الثالث و التسعون

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 158
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست