responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 154

بالعزلة ثم إن ارتقى إلى طور أعلى من هذا فيجعل عزلته رياضة و تقدمة بين يدي خلوته لتالف النفس قطع المألوفات من الأنس بالخلق فإنه يرى الأنس بالخلق من العلائق و العوائق الحائلة بينه و بين مطلوبه من الأنس بالله و الانفراد به فإذا انتقل من العزلة بعد إحكامه شرائطها سهل عليه أمر الخلوة هذا سبب العزلة عند خاصة أهل اللّٰه

[العزلة التي هي نسبة و العزلة التي هي مقام]

فهذه العزلة نسبة لا مقام و العزلة الأولى التي ذكرناها مقام مطلوب و لهذا جعلناها في المقامات من هذا الكتاب و إذا كانت مقاما فهي من المقامات المستصحبة في الدنيا و الآخرة فللعارفين من أهل الأنس و الوصال في العزلة من الدرجات خمسمائة درجة و ثمان و ثلاثون درجة و للعارفين الأدباء الواقفين مائة و ثلاث و أربعون درجة و للملامية فيها من أهل الأنس خمسمائة درجة و سبع درجات و للملامية من أهل الأدب الواقفين معهم مائة و اثنتي عشرة درجة و العزلة المعهودة في عموم أهل اللّٰه من المقامات المقيدة بشرط لا تكون إلا به و هي نسبة في التحقيق لا مقام إلا أنها تحصل عنها فوائد أقلها العصمة لها الدعوى صاحبها مسئول و علتها سوء الظن بنفسك أو بمن اعتزلت عنهم و هذا كله في عزلة العموم و هي من عالم الجبروت و الملكوت ما لها قدم في عالم الشهادة فلا تتعلق معارفها بشيء من عالم الملك

(الباب الحادي و الثمانون في ترك العزلة)



لا تفرحن بالاعتزال فإنه جهل و أين اللّٰه و الأرواح
نور الإله أجل منك نفاسة و مع الجلال جليسه المصباح
لم يعتزل عن نور كون حادث و إلى التعلق ذاته ترتاح
لو أن نور الحق معتزل لما ظهر الوجود و دامت الأفراح
بالنور من فلك البهاء إذا بدا للناظرين أضاءت الأشباح

[مثير العزلة إنما هو خوف القواطع أو رجاء الوصلة]

اعلم أيدنا اللّٰه و إياك أن مثير العزلة إنما هو خوف القواطع عن الوصلة بالجناب الإلهي أو رجاء الوصلة بالعزلة به لما كان في حجاب نفسه و ظلمة كونه و حقيقة ذاته يبعثها على طلب الوصلة ما هي عليه من الصورة الإلهية كما يطلب الرحم الوصلة بالرحمن لما كانت شجنة منه

[ارتباط الكون بالله وصف ذاتى للكون]

ثم إن العبد رأى ارتباط الكون بالله ارتباطا لا يمكن الانفكاك عنه لأنه وصف ذاتي له و تجلى له في هذا الارتباط و عرف من هذا التجلي وجوبه به و أنه لا تثبت لمطلوبه هذه الرتبة إلا به و أنه سرها الذي لو بطل لبطلت الربوبية و رآه في كل شيء مثل ما هو عنده و نسبة كل شيء إليه كنسبته هو إليه فلم يتمكن له الاعتزال

[النور و المشكاة و المصباح]

فتأدب مع قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ أي صفة نوره صفة المصباح و لم يقل صفة الشمس فإن الإمداد في نور الشمس يخفى بخلاف المصباح فإن الزيت و الدهن يمده لبقاء الإضاءة فهو باق بإمداد دهني من شجرة نسبة الجهات إليها نسبة واحدة منزهة عن الاختصاص بحكم جهة و هو قوله لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ و هذا الإمداد من نور السبحات الظاهرة من وراء سبحات العزة و الكبرياء و الجلال فما ينفذ من نور سبحات هذه الحجب هو نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ و مثله كمثل المصباح و النور الذي في الدهن معلوم غير مشهود وضوء المصباح من أثره يدل عليه و على الحقيقة ما هو نور و إنما هو سبب لبقاء النور و استمراره فالنور العلمي منفر ظلمة الجهل من النفس فإذا أضاءت ذات النفس أبصرت ارتباطها بربها في كونها و في كون كل كون فلم تر عمن تعتزل

[النشأتان الظاهرة و الباطنة شاهدتان على النفس المدبرة]

و جعل هذا النور في مشكاة و زجاجة مخافة الهواء أن يجيره و يشتد عليه فيطفيه فكان مشكاته و زجاجته نشأته الظاهرة و الباطنة فإنهما من حيث هما عاصمان فإنهما من الذين يُسَبِّحُونَ بحمد اللّٰه اَللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ لاٰ يَفْتُرُونَ و هما اللذان يشهدان على النفس المدبرة إذا أنكرت بين يدي اللّٰه فهما أهل عدالة قال تعالى شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ و هما من النشأة الباطنة و جلودهم و هي من النشأة الظاهرة فما من شخص يروم مخالفة حق إلا و نشأتاه تقولان له لا تفعل أيها الملك و لا تحوجنا أن نكون سببا في إهلاكك فإن اللّٰه إن استشهدنا شهدنا

أ لا ترى الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم لما بلغ و أنذر و وعد و أوعد قال لقومه إنكم لتسئلون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك بلغت و نصحت و أديت فقال اللهم اشهد و قد سأل هود قومه مع شركهم فقال اِشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ فاستشهدهم لعلمه أنهم لا بد أن يسألهم و نحن رعيتك و لا حركة لنا إلا بك فلا تحركنا إلا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 154
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست