responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 142

ذلك كله توبة ربه

[الناصح نفسه من سلك طريقة أبيه آدم في التوبة]

و اعلم أن توبة ربه مقطوع لها بالقبول و توبة العبد في محل الإمكان لما فيها من العلل و عدم العلم باستيفاء حدودها و شروطها و علم اللّٰه فيها فالعارفون آدميون يسألون من ربهم أن يتوب عليهم و حظهم من التوبة الاعتراف و السؤال لا غير ذلك هذا معنى قوله تعالى وَ تُوبُوا إِلَى اللّٰهِ جَمِيعاً أي ارجعوا إلى الاعتراف و الدعاء كما فعل أبوكم آدم فإن الرجوع إلى اللّٰه بطريق العهد و هو لا يعلم ما في علم اللّٰه فيه خطر عظيم فإنه إن كان قد بقي عليه شيء من مخالفة فلا بد من نقض ذلك العهد فينتظم في قوله اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ فلم ير أكمل معرفة من آدم عليه السلام حيث اعترف و دعا و ما عهد مع اللّٰه توبة عزم فيها إنه لا يعود كما يشترطه علماء الرسوم في حد التوبة فالناصح نفسه من سلك طريقة آدم

[في العزم على أن لا يعود سوء أدب مع اللّٰه]

فإن في العزم سوء أدب مع اللّٰه بكل وجه فإنه لا يخلو أن يكون عالما بعلم اللّٰه فيه إنه لا يقع منه زلة في المستأنف أم لا فإن كان عالما بذلك فلا فائدة في العزم على أن لا يعود بعد علمه أنه لا يعود و إن لم يعلم و عاهد اللّٰه على ذلك و كان ممن قضى اللّٰه عليه أن يعود ناقض عهد اللّٰه و ميثاقه و إن أعلمه اللّٰه أنه يعود فعزمه بعد العلم أنه يعود مكابرة فعلى كل وجه لا فائدة للعزم في المستأنف لا لذي العلم و لا لغير العالم فالتوبة التي طلب منا إنما هي صورة ما جرى من آدم عليه السلام

[معنى التوبة عند أهل اللّٰه]

هذا معنى التوبة عند أهل اللّٰه فإن اللّٰه يحب كل مفتن تواب أي كل من اختبره اللّٰه في كل نفس فيرجع إلى اللّٰه فيه لا عزم إنه لا يعود لما تاب منه فهو جهل على الحقيقة فإن الذي تاب منه من المحال أن يرجع إليه و إن رجع إنما يرجع إلى مثله لا إلى عينه فإن اللّٰه لا يكرر شيئا في الوجود فالعالم بذلك لا يعزم على أنه لا يعود و الذي ينظره أهل اللّٰه أن التائب يعزم أنه لا يعود أن ينسب إليه ما ليس إليه و إن عاد بنسبته إليه فقد علم عند العزم أن ذلك العود إلى اللّٰه لا إليه فلا تضره الغفلة بعد تصحيح الأصل و هو بمنزلة النية عند الشروع في العمل فإن الغفلة لا تؤثر في العمل فسادا و إن لم يحصر في أثناء العمل ما أحضره عند الشروع فهكذا العازم في عزمه

[توبة المحققين لا ترتفع دنيا و لا آخرة]

و اعلم أن مقام التوبة من المقامات المستصحبة إلى حين الموت ما دام مخاطبا بالتكليف أعني التوبة المشروعة و أما توبة المحققين فلا ترتفع دنيا و لا آخرة فلها البداية و لا نهاية لها إلا أن يكون الاسم التواب في المظهر عين الظاهر فلا بدء في أحواله و لا نهاية و إن كانت كل توبة لها بدء

[التوبة الكونية]

و التوبة الكونية ملكية جبروتية عند الجماعة و هو محل إجماعهم و زاد بعضهم أنها ملكوتية فمن لم ير أنها ملكوتية قال إنها تعطي صاحبها ثمانمائة مقام و ثمانية مقامات و من رأى أنها ملكوتية قال إنها تعطي أربعمائة مقام و ثلاثة عشر مقاما و الواقفية أرباب المواقف مثل محمد بن عبد الجبار النفري و أبي يزيد البسطامي قال هي غيبية آثارها حسية و جميع ما تتضمنه هذه المعاملات من المقامات الإلهية الجسام ما فيها مقام يتكرر على ما قد تقرر في الأصل و لو تاب الخلق كلهم ملك و إنس و جان و معدن و نبات و حيوان و فلك و نالوا هذه المقامات كلها لما اجتمع اثنان في ذوق واحد منها و هي منازل فيها ينزلها العبد إذا أحكم ذلك المقام الذي هو التوبة أو غيره و يعطيه كل منزل منها من الأسرار و العلوم ما لا يعلمه إلا اللّٰه و لهذا المقام الحجاب و الكشف

[التوبة اعتراف و دعاء لا عزم على عدم العودة]

و مما يؤيد ما ذكرناه من أن التوبة اعتراف و دعاء لا عزم على أنه لا يعود ما ثبت في الأخبار الإلهية و صح أن العبد بذنب الذنب و يعلم أن له ربا يغفر الذنب و يأخذ بالذنب و لم يزد على هذا مثل صورة آدم سواء ثم يذنب الذنب فيعلم إن له ربا يغفر الذنب و يأخذ بالذنب فيقول اللّٰه له في ثالث مرة أو رابع مرة اعمل ما شئت فقد غفرت لك و هذا مشروع أن اللّٰه قد رفع في حق من هذه صفته المؤاخذة بالذنب على من يرى أن الخطاب على غير من ليس بهذه الصفة منسحب و أما ظاهر الحديث فإن اللّٰه قد أباح له ما قد كان حجر عليه لأجل هذه الصفة كما أحل الميتة للمضطر و قد كانت محرمة على هذا الشخص قبل أن تقوم به صفة الاضطرار ثم إنه قد بينا أن من عباد اللّٰه من يطلعه اللّٰه على ما يقع منه في المستأنف فكيف يعزم على أن لا يعود فيما يعلم بالقطع أنه يعود و لم يرد شرع نقف عنده أن من حد التوبة المشروعة العزم في المستأنف فلم تبق التوبة إلا ما قررناه في حديث آدم عليه السلام ثم يؤيد ذلك قوله تعالى ثُمَّ تٰابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ التَّوّٰابُ يعني في الحالتين ما هم أنتم ينظر إليه قوله وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ رَمىٰ و قوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ قَتَلَهُمْ و قوله مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ

[الإذن الإلهي هو الأمر الإلهي]

و الأذن الأمر الإلهي أمر بعض الشجر أن تقوم فقامت و أمر بعض الشجر أن تنقطع

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست