responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 95

كمثله شيء فكل عقل لم يكشف له من هذه المعرفة شيء يسأل عقلا آخر قد كشف له منها ليس في قوة ذلك العقل المسئول العبارة عنها و لا تمكن و لذلك قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك و لهذا الكلام مرتبتان فافهم فمن طلب اللّٰه بعقله من طريق فكره و نظره فهو تائه و إنما حسبه التهيؤ لقبول ما يهبه اللّٰه من ذلك فافهم و أما القوة الذاكرة فلا سبيل أن تدرك العلم بالله فإنها إنما تذكر ما كان العقل قبل علمه ثم غفل أو نسي و هو لم يعلمه فلا سبيل للقوة الذاكرة إليه و انحصرت مدارك الإنسان بما هو إنسان و ما تعطيه ذاته و له فيه كسب و ما بقي إلا تهيؤ العقل لقبول ما يهبه الحق من معرفته جل و تعالى فلا يعرف أبدا من جهة الدليل إلا معرفة الوجود و أنه الواحد المعبود لا غير فإن الإنسان المدرك لا يتمكن له أن يدرك شيئا أبدا إلا و مثله موجود فيه و لو لا ذلك ما أدركه البتة و لا عرفه فإذا لم يعرف شيئا إلا و فيه مثل ذلك الشيء المعروف فما عرف إلا ما يشبهه و يشاكله و الباري تعالى لا يشبه شيئا و لا في شيء مثله فلا يعرف أبدا

[الأشياء الطبيعية لا تقبل الغذاء إلا من مشاكلها]

و مما يؤيد ما ذكرناه أن الأشياء الطبيعية لا تقبل الغذاء إلا من مشاكلها فأما ما لا يشاكلها فلا تقبل الغذاء منه قطعا مثال ذلك أن الموالد من المعادن و النبات و الحيوان مركبة من الطبائع الأربع و الموالد لا تقبل الغذاء إلا منها و ذلك لأن فيها نصيبا منها و لو رام أحد من الخلق على أن يجعل غذاء جسمه المركب من هذه الطبائع من شيء كائن عن غير هذه الطبائع أو ما تركب عنها لم يستطع فكما لا يمكن لشيء من الأجسام الطبيعية أن تقبل غذاء إلا من شيء هو من الطبائع التي هي منها كذلك لا يمكن لأحد أن يعلم شيئا ليس فيه مثله البتة أ لا ترى النفس لا تقبل من العقل إلا ما تشاركه فيه و تشاكله و ما لم تشاركه فيه لا تعلمه منه أبدا و ليس من اللّٰه في أحد شيء و لا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه فلا يعرفه أحد من نفسه و فكره

قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه و سلم إن اللّٰه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و إن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فأخبر ع بأن العقل لم يدركه بفكره و لا بعين بصيرته كما لم يدركه البصر و هذا هو الذي أشرنا إليه فيما تقدم من بابنا فلله الحمد على ما ألهم و أن علمنا ما لم نكن نعلم و كان فضل اللّٰه عظيما

[التنزيه و نفي المماثلة و التشبيه]

هكذا فليكن التنزيه و نفي المماثلة و التشبيه و ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل و حمل ما وردت به الآيات و الأخبار على ما يسبق منها إلى الأفهام من غير نظر فيما يجب اللّٰه تعالى من التنزيه فقادهم ذلك إلى الجهل المحض و الكفر الصراح و لو طلبوا السلامة و تركوا الأخبار و الآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شيء البتة و يكلون علم ذلك إلى اللّٰه تعالى و لرسوله و يقولون لا ندري و كان يكفيهم قول اللّٰه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فمتى جاءهم حديث فيه تشبيه فقد أشبه اللّٰه شيئا و هو قد نفى الشبه عن نفسه سبحانه فما بقي إلا أن ذلك الخبر له وجه من وجوه التنزيه يعرفه اللّٰه تعالى و جيء به لفهم العربي الذي نزل القرآن بلسانه و ما تجد لفظة في خبر و لا آية جملة واحدة تكون نصا في التشبيه أبدا و إنما تجدها عند العرب تحتمل وجوها منها ما يؤدي إلى التشبيه و منها ما يؤدي إلى التنزيه فحمل المتأول ذلك اللفظ على الوجه الذي يؤدي إلى التشبيه جور منه على ذلك اللفظ إذ لم يوف حقه بما يعطيه وضعه في اللسان و تعد على اللّٰه تعالى حيث حمل عليه سبحانه ما لا يليق بالله تعالى و نحن نورد إن شاء اللّٰه تعالى بعض أحاديث وردت في التشبيه و إنها ليست بنص فيه فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ فَلَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ

[التشبيه و التجسيم في ألفاظ السنة]

فمن ذلك

قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع اللّٰه نظر العقل بما يقتضيه الوضع من الحقيقة و المجاز الجارحة تستحيل على اللّٰه تعالى الإصبع لفظ مشترك يطلق على الجارحة و يطلق على النعمة قال الراعي

ضعيف العصا بادي العروق ترى له عليها إذا ما أمحل الناس أصبعا
يقول ترى له عليها أثرا حسنا من النعمة بحسن النظر عليها تقول العرب ما أحسن أصبع فلان على ما له أي أثره فيه تريد به نمو ما له لحسن تصرفه فيه أسرع التقليب ما قلبته الأصابع لصغر حجمها و كمال القدرة فيها فحركتها أسرع من حركة اليد و غيره و لما كان تقليب اللّٰه قلوب العباد أسرع شيء أفصح صلى اللّٰه عليه و سلم للعرب في دعائه بما تعقل و لأن التقليب لا يكون إلا باليد عندنا فلذلك جعل التقليب بالأصابع لأن الأصابع من اليد في اليد و السرعة في الأصابع أمكن

فكان ع يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك و تقليب اللّٰه تعالى القلوب هو ما يخلق فيها من الهم بالحسن و الهم بالسوء فلما كان الإنسان يحس بترادف الخواطر المتعارضة عليه في قلبه الذي هو عبارة عن تقليب

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست