responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 94

تقدس الحق تعالى عن أن يدرك بذاته كالمحسوس أو بفعله كاللطيف أو المعقول لأنه سبحانه ليس بينه و بين خلقه مناسبة أصلا لأن ذاته غير مدركة لنا فتشبه المحسوس و لا فعلها كفعل اللطيف فيشبه اللطيف لأن فعل الحق تعالى إبداع الشيء لا من شيء و اللطيف الروحاني فعل الشيء من الأشياء فأي مناسبة بينهما فإذا امتنعت المشابهة في الفعل فأحرى أن تمتنع المشابهة في الذات و إن شئت أن تحقق شيئا من هذا الفصل فانظر إلى مفعول هذا الفعل على حسب أصناف المفعولات مثل المفعول الصناعي كالقميص و الكرسي فوجدناه لا يعرف صانعه إلا أنه يدل بنفسه على وجود صانعه و على علمه بصنعته و كذلك المفعول التكويني الذي هو الفلك و الكواكب لا يعرفون مكونهم و لا المركب لهم و هو النفس الكلية المحيطة بهم و كذلك المفعول الطبيعي كالموالد من المعادن و النبات و الحيوان الذين يفعلون طبيعة من المفعول التكويني ليس لهم وقوف على الفاعل لهم الذي هو الفلك و الكواكب فليس العلم بالأفلاك ما تراه من جرمها و ما يدركه الحس منها و أين جرم الشمس في نفسها منها في عين الرائي لها منا و إنما العلم بالأفلاك من جهة روحها و معناها الذي أوجده اللّٰه تعالى لها عن النفس الكلية المحيطة التي سبب الأفلاك و ما فيها و كذلك المفعول الانبعاثي الذي هو النفس الكلية المنبعثة من العقل انبعاث الصورة الدحيية من الحقيقة الجبرئيلية فإنها لا تعرف الذي انبعثت عنه أصلا لأنها تحت حيطته و هو المحيط بها لأنها خاطر من خواطره فكيف تعلم ما هو فوقها و ما ليس فيها منه إلا ما فيها فلا تعلم منه إلا ما هي عليه فنفسها علمت لا سببهما و كذلك المفعول الإبداعي الذي هو الحقيقة المحمدية عندنا و العقل الأول عند غيرنا و هو القلم الأعلى الذي أبدعه اللّٰه تعالى من غير شيء هو أعجز و امنع عن إدراك فاعله من كل مفعول تقدم ذكره إذ بين كل مفعول و فاعله مما تقدم ذكره ضرب من ضروب المناسبة و المشاكلة فلا بد أن يعلم منه قدر ما بينهما من المناسبة إما من جهة الجوهرية أو غير ذلك و لا مناسبة بين المبدع الأول و الحق تعالى فهو أعجز عن معرفته بفاعله من غيره من مفعولي الأسباب إذ قد عجز المفعول الذي يشبه سببه الفاعل له من وجوه عن إدراكه و العلم به فافهم هذا و تحققه فإنه نافع جدا في باب التوحيد و العجز عن تعلق العلم المحدث بالله تعالى

«وصل» [القوى الخمس و مدركاتها الحقيقية]

يؤيد ما ذكرناه أن الإنسان إنما يدرك المعلومات كلها بإحدى القوي الخمس القوة الحسية و هي على خمس الشم و الطعم و اللمس و السمع و البصر فالبصر يدرك الألوان و المتلونات و الأشخاص على حد معلوم من القرب و البعد فالذي يدرك منه على ميل غير الذي يدرك منه على ميلين و الذي يدرك منه على عشرين باعا غير الذي يدرك منه على ميل و الذي يدرك منه و يده في يده يقابله غير الذي يدرك منه على عشرين باعا فالذي يدرك منه على ميلين شخص لا يدري هل هو إنسان أو شجرة و على ميل يعرف أنه إنسان و على عشرين باعا أنه أبيض أو أسود و على المقابلة أنه أزرق أو أكحل و هكذا سائر الحواس في مدركاتها من القرب و البعد و الباري سبحانه ليس بمحسوس أي ليس بمدرك بالحس عندنا في وقت طلبنا المعرفة به فلم نعلمه من طريق الحس و أما القوة الخيالية فإنها لا تضبط إلا ما أعطاها الحس إما على صورة ما أعطاها و إما على صورة ما أعطاه الفكر من حمله بعض المحسوسات على بعض و إلى هنا انتهت طريقة أهل الفكر في معرفة الحق فهو لسانهم ليس لساننا و إن كان حقا و لكن ننسبه إليهم فإنه نقل عنهم فلم تبرح هذه القوة كيفما كان إدراكها عن الحس البتة و قد بطل تعلق الحس بالله عندنا فقد بطل تعلق الخيال به و أما القوة المفكرة فلا يفكر الإنسان أبدا إلا في أشياء موجودة عنده تلقاها من جهة الحواس و أوائل العقل و من الفكر فيها في خزانة الخيال يحصل له علم بأمر آخر بينه و بين هذه الأشياء التي فكر فيها مناسبة و لا مناسبة بين اللّٰه و بين خلقه فاذن لا يصح العلم به من جهة الفكر و لهذا منعت العلماء من الفكر في ذات اللّٰه تعالى و أما القوة العقلية فلا يصح أن يدركه العقل فإن العقل لا يقبل إلا ما علمه بديهة أو ما أعطاه الفكر و قد بطل إدراك الفكر له فقد بطل إدراك العقل له من طريق الفكر و لكن مما هو عقل إنما حده أن يعقل و يضبط ما حصل عنده فقد يهبه الحق المعرفة به فيعقلها لأنه عقل لا من طريق الفكر هذا ما لا نمنعه فإن هذه المعرفة التي يهبها الحق تعالى لمن شاء من عباده لا يستقل العقل بإدراكها و لكن يقبلها فلا يقوم عليها دليل و لا برهان لأنها وراء طور مدارك العقل ثم هذه الأوصاف الذاتية لا تمكن العبارة عنها لأنها خارجة عن التمثيل و القياس فإنه ليس

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست