responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 746



أريدك لا أريدك للثواب و لكني أريدك للعقاب
و كل مآربي قد نلت منها سوى ملذوذ وجدي بالعذاب

[البلاء هو قيام الألم في نفس المتألم]

فاعلم إن البلاء المحقق إنما هو قيام الألم و وجوده في نفس المتألم ما هو السبب المربوط به عادة كوجود الضرب بالسوط و الحرق بالنار و الجرح بالحديد و ما أشبه ذلك من الآثار الحسية مما يكون عنها الآلام الحسية و كذلك ضياع المال و المصيبة في الأهل و الولد و التوعد بالوعيد الشديد و جميع الأسباب الخارجة عنه الموجبة للآلام النفسية عادة إذا حصلت بهذا الشخص و هي ثوبا الإحرام فإن الإحرام يحول بينه و بين الترفه و التنعم فمثل هذه الأمور في العادة يوجب الآلام فيتعين شرعا على المبتلى بها الصبر و الرضي و التسليم لجريان الأقدار عليه بذلك فتسمى هذه الأسباب عذابا و ليست في الحقيقة عذابا و إنما العذاب هو وجود الألم عند هذه الأسباب لا عين الأسباب

[اللذة هي النعيم و التنعم]

و كذلك اللذة التي هي نقيض الألم هي صفة للملتذ يوصف بها و هو النعيم و التنعم و له أسباب ظاهرة و هي نيل أغراضه كانت ما كانت فإنه يتنعم بوجودها إذا حصلت فهو صاحب تنعم في مقام تنعيم فعبد على مثل هذا بالشكر لا بالصبر و سمي أسباب وجود اللذة في الملتذ نعيما و ليس النعيم في الحقيقة إلا اللذة الموجودة في النفس و هي أيضا لذات حسية و نفسية و أسباب كأسباب الآلام خارجة و قائمة بحسه فأما صاحب أسباب الآلام إذا وجد اللذة و الالتذاذ في نفسه مع قيام هذه الأسباب الموجبة للآلام عادة لم يجب عليه الصبر فإنه ليس بصاحب ألم و إنما هو صاحب لذة متقلب في نعم من اللّٰه فيجب عليه الشكر للتنعم القائم به و بالعكس في حصول أسباب النعم يجد عندها الألم فيجب عليه الصبر

[في كل مصيبة ثلاث نعم من اللّٰه على العبد المصاب]

قال عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه ما أصابني اللّٰه بمصيبة فأثبت أنه مصاب بها أي نزلت به مصيبة أي سبب موجب للألم عادة فقال أ لا رأيت أن لله علي في تلك المصيبة ثلاث نعم النعمة الواحدة حيث لم تكن في ديني النعمة الثانية حيث لم تكن أكثر منها النعمة الثالثة ما وعد اللّٰه من الثواب عليها فأنا أنظر إليه فمثل هذا ما يسمى صابرا فإنه صاحب نعم متعددة فهو ملتذ بمشهوده فيجب عليه شكر المنعم و بالعكس و هو وجود أسباب اللذة فينعم اللّٰه عليه بمال و عافية و وجود ولد أو ولاية جديدة يكون له فيها رياسة و أمر و نهي و هذه كلها أسباب تلتذ النفوس بها و إذا كانت مطعومات شهية و ملبوسات لينة فاخرة و مشمومات عطرة فهو صاحب لذة حسية

[الصبر مع البلاء و الشكر مع النعماء]

فيفكر صاحب هذه الأسباب بما للحق عليه فيها من الحقوق من شكر المنعم و التكليف الإلهي في ذلك و ما يتعين عليه في المال و الولد و الولاية من التصرف في ذلك كله على الوجه المشروع المقرب إلى اللّٰه و إقامة الوزن في ذلك كله فعند ما يخطر له هذا و هو الواجب عليه من اللّٰه أن ينظر في ذلك أعقبت هذه الأسباب الملذة في العادة هذا الفكر الموجب للألم فقام الألم به فهو صاحب بلاء لأنه صاحب ألم عن ظهور أسباب نعيم فيجب عليه الصبر على ذلك الألم و يسعى في أداء ما يجب عليه من الحق في ذلك أو يزهد فيه إن أفرط فيه الألم فما وقع الصبر إلا في موضعه مع وجود أسباب ضده و لا وقع الشكر إلا في موضعه مع وجود أسباب ضده و لذا قال أبو يزيد

سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
فما أراد بالعذاب هنا وجود الألم فإن الألم بالشيء مضاد للتلذذ به فلا يجتمعان في محل واحد أبدا و هو طلب اللذة عند وجود سبب الآلام و هو خرق عادة كنار إبراهيم عليه السلام هي في الظاهر نار و لكن ما أثرت إحراقا في جسم إبراهيم و لا وجد ألما لها بل كانت عليه بردا و سلاما : فتعين الشكر عليه لأنه ما ثم ألم يجب الصبر عليه فالصبر أبدا لا يكون إلا مع البلاء و البلاء وجود الألم و الشكر أبدا لا يكون إلا مع النعماء و النعيم بوجود اللذة في المحل فما يقع الشكر من العبد إلا على مسمى النعمة و لا يقع الصبر من العبد إلا على مسمى الألم و هو البلاء

[جزاء الصديقين الصابرين و جزاء الصديقين الشاكرين]

أ لا ترى النبي صلى اللّٰه عليه و سلم ما غير ثوبي إحرامه إلا بمكان يسمى التنعيم ينبه بذلك أصحابه و من يأتي بعده من إخوانه إنكم إذا نالتكم مشقة الإحرام في الحج و ما يتضمنه من الأسباب المؤلمة المؤذية فانظر فيما لله في طيها من النعم التي لا تحصى فيعقبكم رؤية ذلك تنعيما و التذاذا بما أنتم بسبيله لأنه سبب موجب لنيل تلك المشاهد الكرام و النعم الجسام فتهون عليكم صعوبة طريقكم فتكونون من الشاكرين فتجازوا يوم القيامة جزاء الصديقين الصابرين و جزاء الصديقين الشاكرين و كذلك في أسباب النعم إذا رأيتموها بلاء و اختبارا و أديتم حقوقها

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 746
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست