responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 686

>(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)<

(وصل في فصل دخول المحرم الحمام)

فمن الناس من كرهه و من الناس من قال لا بأس به و به أقول

[الحمام ينعم البدن و يزيل الدرن و يذكر الآخرة]

ليس في أحوال الدنيا من يدل على الآخرة بل على اللّٰه تعالى و على قدر الإنسان مثل الحمام يقول عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه لما دخل الحمام بالشام نعم البيت بيت الحمام ينعم البدن و يزيل الدرن و يذكر الآخرة و من هذه آثاره في العبد لا يكره له استعماله فإنه نعم الصاحب و به سمي لأن الحمام من الحميم و الحميم الصاحب الشفيق قال تعالى فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ أي شفيق و سمي حميما لحرارته و استعمل فيه الماء لما فيه من الرطوبة فالحمام حار رطب طبع الحياة و بها ينعم البدن و بالماء يزول الدرن و بتجريد الداخل فيه عن لباسه و بقائه عريانا لا شيء في يديه من جميع ما يملكه يذكر الآخرة و الموت و قيام الناس من قبورهم عراة حفاة لا يملكون شيئا فدخول الحمام أدل على الآخرة من الموت فإن الميت لا ينقلب إلى قبره حتى يكسى و داخل الحمام لا يدخل إليه حتى يعري و التجريد أدل ثم إنه من دعاء النبي صلى اللّٰه عليه و سلم اللهم نقني من الخطايا و الذنوب كما ينقى الثوب من الدرن و تنقية البدن من الدرن و الوسخ من أخص صفات الحمام و لأجله عمل و اعتبار الحمام بأحوال الآخرة مجاله رحب عظيم الفائدة ما يعقله إلا العلماء بالله

(وصل في فصل تحريم صيد البر على المحرم)

[صيد الزاهد و صيد العارف]

اتفقوا على ذلك و هو اتفاق أهل اللّٰه أيضا في اعتباره و معناه قال بعضهم الزاهد صيد الحق من الدنيا و العارف صيد الحق من الجنة فمال الزاهد إلى قوله وَ مٰا عِنْدَ اللّٰهِ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ و مال العارف إلى قوله وَ اللّٰهُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ فالخلق صيد للحق صادهم من نفوسهم برا أو بحرا و سأبين ذلك إن شاء اللّٰه

[حبالات الحق لصيد النفوس الشاردة]

فاعلم إن الحق تعالى نصب حبالات صيد النفوس الشاردة عما خلقت له من عبادته ثم خدعهم بالحب الذي جعل لهم في تلك الحبالات أو الطعوم أو ذوات الأرواح المشبهة لهم في الحياة جعلها مقيدة في الحبالات من حيث لا يشعر الناظرون إليها فمن الصيد من أوقعه في الحبالة رؤية الجنس طمعا في اللحوق بهم ليرى ما هم فيه فصار في قبضة الصائد فقيده و هو كان المقصود لأنه مطلوب لعينه و من الصيد من أوقعه الطمع في تحصيل الحب المبذور في الحبالة ثم إن الصائد له تصافير يحكي بها أصوات الطير إذا سمعها الطائر نزل فوقع في الحبالة فهو بمنزلة من سمع نداء الحق فأجاب فهذا لم يصد بالإحسان و الآخر أحسن إليه بالحب المبذور في الحبالة فأبصره فقاده الإحسان فرمى بنفسه عليه فصاده فلو لا الإحسان ما جاء إليه فمجيئه معلول و البر هو المحسن و الإحسان و الحق غيور فما أراد من هذه الطائفة الخاصة الذين جعلهم اللّٰه حراما ليكونوا له أن يجعلهم عبيد إحسان فيكونون للإحسان لا له و لهذا دعاهم شعثا غبرا مجردين من المخيط ملبين لإجابته بالإهلال كما لجأ الطائر لصوت الصائد فحرم عليهم لمكانتهم صيد البر الذي هو الإحسان ما داموا حرما حلالا في المكان الحلال و الحرام و سكانا في الحرام و إن كانوا حلالا أو حراما فحيث ما كانت الحرمة امتنع صيد الإحسان فإن اللّٰه من صفاته الغيرة فلم يرد أن يدعو هذه الطائفة المنعوتين بالإحرام من باب النعم و الإحسان فيكونوا عبيد إحسان لا عبيد حقيقة فإنه استهضام بالجناب الإلهي

[من صحبك لغرض انقضت صحبته بانقضائه]

فقال من صحبك لغرض انقضت صحبته بانقضائه و صحبة العبد ربه ينبغي أن تكون ذاتية كما هي في نفس الأمر لأنه لا خروج للعبد عن قبضة سيده و إن أبق في زعمه فما خرج عن ملكه و هو جاهل بملك سيده لأنه حيث ما مشى في ملكه مشي فما خرج عن ملك سيده و لا ملكه فلله ملك السموات و الأرض فلهذا حرم على الحاج صيد البر و هو

قوله صلى اللّٰه عليه و سلم حبوا اللّٰه لما يغذوكم به من نعمه خطابا منه لعبيد الإحسان حيث جهلوا مقاديرهم و ما ينبغي لجلال اللّٰه من الانقياد بالطاعة إليه

[الماء عنصر الحياة الذي خلق اللّٰه منه كل شيء حى]

و لم يحرم صيد البحر على المحرم ما دام محرما لأن صيد البحر صيد ماء و هو عنصر الحياة الذي خلق اللّٰه منه كل شيء حي و المطلوب بإقامة هذه العبادة و غيرها إنما هو حياة القلوب كما قال أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ في معرض الثناء بذلك فإذا كان المقصود حياة القلوب و الجوارح بهذه العبادة و بالعبادات كلها ظاهرها و باطنها فوقعت المناسبة بين ما طلب

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 686
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست