responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 652

فإنه ما يدعو إلا من يصح منه الأكل و الشرب و لو لا ما هذا شهوده ما دعاه فليس لهذا السامع أن يأكل و ليتم صومه و لا بد فإن حق اللّٰه أحق بالقضاء و قد تعين عليه حق اللّٰه بما أدخل نفسه من هذا التلبس بالصوم

[حق النفس و حق الغير]

فإن قالت له نفسه الآكلة ما دعاك إنما كانت الدعوة لي لا لك فإجابتي لدعوته هو عين أكلي فإنه يقول لها إنما كان لك ذلك لو لم تدخل نفسك ابتداء مع الحق في هذه العبادة من غير إن يلزمك بها فلما تلبست بها تعين عليك إتمامها فإن ذلك من حقك الذي أوجبته على نفسك و حقك عليك أولى من حق غيرك عليك و قد عرفك الحق بذلك على لسان نبيك

فقال إن أفضل الصدقات ما تصدقت به على نفسك و

قال في القاتل نفسه حرمت عليه الجنة و قال في القاتل غيره إذا مات و لم يقتص منه إن شاء غفر له و إن شاء عاقبه فإن أفطرت فرطت في حق نفسك و أديت حق غيرك و في حق نفسك حق اللّٰه فتمنعها من الفطر و تشغلها بالصلاة عوضا من ذلك يريد أنه يكون مناجيا لله تعالى الذي هو أشرف داع و أكمله و قد دعاه إلى الصلاة في هذه الحال فإنه قال له على لسان نبيه صلى اللّٰه عليه و سلم و إن كان صائما فليصل فأمره بالصلاة في هذه الحال

(وصل في فصل صيام الدهر)

لا يصح إلا للدهر لا لغير الدهر فإن صيام الدهر في حق الإنسان إنما هو أن يصوم السنة بكمالها و لا يصح له ذلك من أجل يوم الفطر و الأضحى فإن الفطر فيهما واجب بالاتفاق فلهذا ما يصح فإن الدهر اسم اللّٰه و الصوم له فما كان لله فما هو لك و إنما يكون لك ما لم يحجره عليك فإذا حجره و هو بالأصالة ليس لك فقد أخبرك أنه لا يحصل فإن فعلته عملت في غير معمل و طمعت في غير مطمع

(وصل في فصل صيام داود و مريم و عيسى عليهم السلام)

[الصوم الذي هو أعظم مجاهدة على النفس]

أفضل الصيام و أعدله صوم يوم في حقك و صوم يوم في حق ربك و بينهما فطر يوم فهو أعظم مجاهدة على النفس و أعدل في الحكم و يحصل له في مثل هذا الصوم حال الصلاة كحالة الضوء من نور الشمس فإن الصلاة نور و الصبر ضياء و هو الصوم و الصلاة عبادة مقسومة بين رب و عبد و كذلك صوم داود عليه السلام صوم يوم و فطر يوم فتجمع ما بين ما هو لك و ما هو لربك

[من غلبت عليه نفسه فقد غلبت عليه ألوهيته]

و لما رأى بعضهم أن حق اللّٰه أحق لم ير التساوي بين ما هو اللّٰه و ما هو للعبد فصام يومين و أفطر يوما و هذا كان صوم مريم عليها السلام فإنها رأت أن للرجال عليها درجة فقالت عسى اجعل هذا اليوم الثاني في الصوم في مقابلة تلك الدرجة و كذلك كان فإن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم شهد لها بالكمال كما شهد به للرجال و لما رأت أن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد فقالت صوم اليومين مني بمنزلة اليوم الواحد من الرجل فنالت مقام الرجال بذلك فساوت داود في الفضيلة في الصوم فهكذا من غلبت عليه نفسه فقد غلبت عليه ألوهيته فينبغي إن يعاملها بمثل ما عاملت به مريم نفسها في هذه الصورة حتى تلحق بعقلها و هذه إشارة حسنة لمن فهمها

[عيسى بن مريم و كان ظاهرا في العالم باسم الدهر و باسم القيوم]

فإنه إذا كان الكمال لها لحوقها بالرجال فالأكمل لها لحوقها بربها كعيسى بن مريم ولدها فإنه كان يصوم الدهر و لا يفطر و يقوم الليل فلا ينام و كان ظاهرا في العالم باسم الدهر في نهاره و باسم القيوم الذي لاٰ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لاٰ نَوْمٌ في ليله فادعى فيه الألوهية فقيل إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ و ما قيل ذلك في نبي قبله فإنه غاية ما قيل في العزير إنه ابن اللّٰه ما قيل هو اللّٰه فانظر ما أثرت هذه الصفة من خلف حجاب الغيب في قلوب المحجوبين من أهل الكشف حتى قالوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ فنسبهم إلى الكفر في ذلك إقامة عذر لهم فإنهم ما أشركوا بل قالوا هو اللّٰه و المشرك من يجعل مع اللّٰه إلها آخر فهذا كافر لا مشرك فقال تعالى لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ فوصفهم بالستر و اتخذوا ناسوت عيسى مجلى و نبه عيسى على هذا المقام فيما أخبر اللّٰه تعالى تثبيتا لهم فيما قالوا فقال المسيح يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ اعْبُدُوا اللّٰهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ فقالوا كذلك نفعل فعبدوا اللّٰه فيه ثم قال لهم إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّٰهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أي حرم اللّٰه عليه كنفه الذي يستره و اللّٰه قد وصفهم بالستر حيث وصفهم بالكفر فهي آية يعطي ظاهرها نفس ما يعطي ما هو عليه الأمر في ذلك و التأويل فيها يلحق بالذم فإن تفطنت لما ذكرناه وقعت في بحر عظيم لا ينجو من غرق فيه أبدا فإنه بحر الأبد فما أحكم كلام اللّٰه لمن نظر فيه و استبصر و كان من اللّٰه فيه على بصيرة

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 652
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست