responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 603

وقاية فأقام الصوم مقامه في الوقاية و هو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ و الصوم من العبادات لا مثل له و لا يقال في الصوم ليس كمثله شيء فإن الشيء أمر ثبوتي أو وجودي و الصوم ترك فهو معقول عدمي و وصف سلبي فهو لا مثل له لا أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فهذا الفرق بين نعت الحق في نفي المثلية و بين وصف الصوم بها

[نهى الصائم عن الرفث و الصخب و المقاتلة]

ثم إن الشارع نهى الصائم و النهي ترك و نعت سلبي فقال لا يرفث و لا يسخب فما أمره بعمل بل نهاه أن يتصف بعمل ما و الصوم ترك فصحت المناسبة بين الصوم و بين ما نهي عنه الصائم ثم أمر أن يقول لمن سابه أو قاتله إني صائم أي تارك لهذا العمل الذي عملته أنت أيها المقاتل و الساب في جانبي فنزه نفسه عن أمر ربه عن هذا العمل فهو مخبر أنه تارك أي ليس عنده صفة سب و لا قتال لمن سابه و قاتله

[خلوف فم الصائم عند اللّٰه]

ثم قال و الذي نفس محمد بيده يقسم صلى اللّٰه عليه و سلم لخلوف فم الصائم و هو تغير رائحة فم الصائم التي لا توجد إلا مع التنفس و قد تنفس بهذا الكلام الطيب الذي أمر به و هو قوله إني صائم فهذه الكلمة و كل نفس الصائم أطيب يوم القيامة يَوْمَ يَقُومُ النّٰاسُ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ عند اللّٰه فجاء بالاسم الجامع المنعوت بالأسماء كلها فجاء باسم لا مثل له إذ لم يتسم أحد بهذا الاسم إلا اللّٰه سبحانه فناسب كون الصوم لا مثل له و قوله من ريح المسك فإن ريح المسك أمر وجودي يدركه الشام و يلتذ به السليم المزاج المعتدل فجعل الخلوف عند اللّٰه أطيب منه لأن نسبة إدراك الروائح إلى اللّٰه لا تشبه إدراك الروائح بالمشام فهو خلوف عندنا و عنده تعالى هذا الخلوف فوق طيب المسك في الرائحة فإنه روح موصوف لا مثل لما وصف به فلا تشبه الرائحة فإن رائحة الصائم عن تنفس و رائحة المسك لا عن تنفس من المسك

[ابن عربى عند موسى بن محمد القباب بحرم مكة]

و لنا واقعة في مثل هذا كنت عند موسى بن محمد القباب بالمنارة بحرم مكة بباب الحزورة و كان يؤذن بها و كان له طعام يتأذى برائحته كل من شمه و سمعت في الخبر النبوي أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم و نهي أن تقرب المساجد برائحة الثوم و البصل و الكراث فبت و أنا عازم أن أقول لذلك الرجل أن يزيل ذلك الطعام من المسجد لأجل الملائكة فرأيت الحق تعالى في النوم فقال لي عز و جل لا تقل له عن الطعام فإن رائحته عندنا ما هي مثل ما هي عندكم فلما أصبح جاء على عادته إلينا فأخبرته بما جرى فبكى و سجد لله شكرا ثم قال لي يا سيدي و مع هذا فالأدب مع الشرع أولى فازاله من المسجد رحمه اللّٰه

[الروائح الخبيثة تنفر عنها الأمزجة السليمة]

و لما كانت الروائح الكريهة الخبيثة تنفر عنها الأمزجة الطبيعية السليمة من إنسان و ملك لما يحسونه من التأذي لعدم المناسبة فإن وجه الحق في الروائح الخبيثة لا يدركه إلا اللّٰه خاصة و من فيه مزاج القبول له من الحيوان أو الإنسان الذي له مزاج ذلك الحيوان لا ملك و لهذا قال عند اللّٰه فإن الصائم أيضا من كونه إنسانا سليم المزاج يكره خلوف الصوم من نفسه و من غيره و هل يتحقق أحد من المخلوقين السالمين المزاج بربه وقتا ما أو في مشهد ما فيدرك الروائح الخبيثة طيبة على الإطلاق ما سمعنا بهذا و قولي على الإطلاق من أجل أن بعض الأمزجة يتأذى بريح المسك و الورد و لا سيما المحرور المزاج و ما يتأذى منه فليس بطيب عند صاحب ذلك المزاج فلهذا قلنا على الإطلاق إذا الغالب على الأمزجة طيب المسك و الورد و أمثاله و المتأذي من هذه الروائح الطيبة مزاج غريب أي غير معتاد و لا أدري هل أعطى اللّٰه أحدا إدراك تساوى الروائح بحيث أن لا يكون عنده خبث رائحة أم لا هذا ما ذقناه من أنفسنا و لا نقل إلينا إن أحدا أدرك ذلك بل المنقول عن الكمل من الناس و عن الملائكة التأذي بهذه الروائح الخبيثة و ما انفرد بإدراك ذلك طيبا إلا الحق هذا هو المنقول و لا أدري أيضا شأن الحيوان من غير الإنسان في ذلك ما هو لأني ما أقامني الحق في صورة حيوان غير إنسان كما أقامني في أوقات في صور ملائكته و اللّٰه أعلم

[باب الريان في الجنة الذي منه يدخل الصائمون]

ثم إن الشرع قد نعت الصوم من طريق المعنى بالكمال الذي لا كمال فوقه حين أفرد له الحق بابا خاصا و سماه باسم خاص يطلب الكمال يقال له باب الريان منه يدخل الصائمون و الري درجة الكمال في الشرب فإنه لا يقبل بعد الري الشارب شربا أصلا و مهما قبل فما ارتوى أرضا كان أو غير أرض من أرضين الحيوانات خرج مسلم من حديث سهل بن سعد

قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلا يدخل منه أحد و لم يقل ذلك في شيء من منهي العبادات و لا مأمورها إلا في الصوم فبين بالريان أنهم حازوا صفة كمال في العمل إذ قد اتصفوا بما لا مثل له كما تقدم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 603
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست