responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 587

فما فرض اللّٰه الزكاة و أوجبها و طهر بها النفوس من البخل و الشح إلا لهذا الأمر المحقق فالفرض منها أشد على النفس من صدقة التطوع للجبر الذي في الفرض و الاختيار الذي في التطوع فإنه في الفرض عبد بحكم سيد و في الاختيار لنفسه إن شاء و إن شاء

(وصل في فصل الادخار من شح النفس و بخلها)

[إعطاء العبودية و إعطاء الربوبية]

اعلم أنه من شح النفس الادخار و الشبهة لها إلى وقت الحاجة فإذا تعين المحتاج كان العطاء و على هذا أكثر بعض نفوس الصالحين و أما العامة فلا كلام لنا معهم و إنما نتكلم مع أهل اللّٰه على طبقاتهم و القليل من أهل اللّٰه من يطلب على أهل الحاجة حتى يوصل إليهم ما بيده فرضا كان أو تطوعا فالفرض من ذلك قد عين اللّٰه أصنافه و رتبه على نصاب و زمان معين و التطوع من ذلك لا يقف عند شيء فإن التطوع إعطاء ربوبية فلا يتقيد و الفرض إعطاء عبودية فهو بحسب ما يرسم له سيده و إعطاء العبودية أفضل فإن الفرض أفضل من النفل و أين عبودية الاضطرار من عبودية الاختيار و هذا الصنف قليل في الصالحين و شبهتهم أنا لم نكلف الطلب عليهم و المحتاج هو الطالب فإذا تعين لي بالحال أو بالسؤال أعطيته

[الذين يعطون ما بأيديهم كرما إلهيا و تخلقا]

و الذين هم فوق هذه الطبقة التي تعطي على حد الاستحقاق فهم أيضا أعلى من هؤلاء و هم الذين يعطون ما بأيديهم كرما إلهيا و تخلقا فيعطون المستحق و غير المستحق و هو عندنا من جهة الحقيقة الآخذ مستحق لأنه ما أخذ إلا بصفة لفقر و الحاجة لا بغيرها سواء كانت الأعطية ما كانت من هدية أو وهب أو غير ذلك من أصناف العطايا كالتاجر الغني صاحب الآلاف يجوف القفار و يركب البحار و يقاسي الأخطار و يتغرب عن الأهل و الولد و يعرض بنفسه و بماله للتلف في أسفاره و ذلك لطلب درهم زائد على ما عنده فحكمت عليه صفة الفقر و أعمته عن مطالعة هذه الأهوال و هونت عليه الشدائد لأن سلطان هذه الصفة في العبد قوية فمن نظر هذا النظر الذي هو الحق فإنه يرى أن كل من أعطاه شيئا و أخذه منه ذلك الآخر فإنه مستحق لمعرفته بالصفة التي بها أخذها منه إلا أن يأخذها قضاء حاجة له لكونه يتضرر بالرد عليه أو ليستر مقامه بالأخذ فذلك يده يد حق كما

ورد أن الصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله فهذا أخذ من غير خاطر حاجة في الوقت و غاب عن أصله الذي حركه للاخذ و هو أن ذلك تقتضيه حقيقة الممكن فهذا شخص قد استترت عنه حقيقته في الأخذ بهذا الأمر الغرضي فنحن نعرفه حين يجهل نفسه فما أعطى إلا غني عما أعطاه سواء كان لغرض أو عوض أو ما كان فإنه غني عما أعطى و ما أخذ إلا مستحق أو محتاج لما أخذ لغرض أو عوض أو ما كان لأن الحاجة إلى تربية ما أخذ حاجة إذ لا يكون مربيا إلا بعد الأخذ فافهم فإنه دقيق غامض بسبب النسبة الإلهية في التربية للصدقة مع الغني المطلق الذي يستحقه

[النسب الإلهية لا ينكرها إلا من ليس بمؤمن خالص]

و النسب الإلهية لا ينكرها إلا من ليس بمؤمن خالص فإن اللّٰه يقول وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً و

يقول جعت فلم تطعمني و ظمئت فلم تسقني و بين ذلك كله فلم يمتنع جل و تعالى عن نسبة هذه الأشياء إليه تنبيها منه لنا إنه هو الظاهر في المظاهر بحسب استعداداتها و اليد العليا هي المنفقة فهي خير بكل وجه من اليد السفلي التي هي الآخذة فالمعطي بحق و الآخذ بحق ليسا على السواء في المرتبة و لا في الاسم و لا في الحال فما من شيء إلا و له وجه و نسبة إلى الحق و وجه و نسبة إلى الخلق و لهذا جعله إنفاقا فقال وَ أَنْفِقُوا مِنْ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ و مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ فراعى عز و جل في هذا الخطاب أكابر العلماء لأنهم الذين لهم العطاء من حيث ما هو إنفاق لعلمهم بالنسبتين لأنه من النفق و هو جحر اليربوع و يسمى النافقاء له بابان إذا طلب من باب ليصاد خرج من الباب الآخر كالكلام المحتمل إذا قيدت صاحبه بوجه أمكن أن يقول لك إنما أردت الوجه الآخر من محتملات اللفظ

[العطاء له نسبة إلى الحق و نسبة إلى الخلق]

و لما كان العطاء له نسبة إلى الحق و الغني و نسبة إلى الخلق و الحاجة سماه اللّٰه إنفاقا فعلماء الخلق ينفقون بالوجهين فيرون الحق فيما يعطونه معطيا و آخذا و يشاهدون أيديهم هي التي يظهر فيها العطاء و الأخذ و لا يحجبهم هذا عن هذا فهؤلاء لا يرون إلا مستحقا فكل آخذ إنما أخذ بحكم الاستحقاق و لو لم يستحقه لاستحال القبول منه لما أعطيه كما يستحيل عليه الغني المطلق و لا يستحيل عليه الفقر المطلق

[الذين ينتظرون مواقيت الحاجة و يدخرون]

ثم إن الذين ينتظرون مواقيت الحاجة و يدخرون كما ذكرنا للشبهة التي وقعت لهم فمنهم من يدخر على بصيرة و منهم من يدخر لا عن بصيرة فلا نسلم لهم

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 587
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست