responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 585

فاعلم ذلك

[تصرف العارف و زهد الزاهد]

و انظر في تصرف العارف في الدنيا كيف هو و لا يحمل تصرفه على تصرفك و جهلك و سوء تأويلك فترى الزهد عند ذلك أفضل منه هيهات هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لاٰ يَعْلَمُونَ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ بل هي للعارف صفة كمالية سليمانية هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّٰابُ فما أليق هذا الاسم بهذا السؤال أ تراه عليه السلام سأل ما يحجبه عن اللّٰه أو سأل ما يبعده من اللّٰه

[الصفة الكمالية السليمانية و الحالة المحمدية]

ثم انظر إلى أدب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم حين أمكنه اللّٰه من العفريت الذي فتك عليه فأراد أن يقبضه و يربطه بسارية من سواري المسجد حتى ينظر الناس إليه فتذكر دعوة أخيه سليمان فرده اللّٰه خاسئا فهذه حالة سليمانية حصلت لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم و ما رده عنها الزهد فيها و إنما رده عن ذلك الأدب مع سليمان عليه السلام حيث طلب من ربه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده و علمنا من هذه القصة أن قوله لا ينبغي أنه يريد لا ينبغي ظهوره في الشاهد للناس لأحد و إن حصل بالقوة لبعض الناس كمسألة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم مع العفريت فعلمنا أنه أراد الظهور في ذلك لأعين الناس ثم إن اللّٰه أجاب سليمان عليه السلام إلى ما طلب منه بأنه ذكر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بدعوة أخيه سليمان حتى لا يمضي ما قام بخاطره من إظهار ذلك ثم إن اللّٰه تمم هذه النعمة لسليمان عليه السلام بدار التكليف فقال له هٰذٰا عَطٰاؤُنٰا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسٰابٍ فرفع عنه الحرج في التصريف بالاسم المانع و المعطي فاختص بجنة معجلة في الحياة الدنيا و ما حجبه هذا الملك عن ربه عز و جل

[جمع العارف بين العينين و تحقق بالحقيقتين]

فانظر إلى درجة العارف كيف جمع بين العينين و تحقق بالحقيقتين فأخرج الزكاة من المال الذي بيده إخراج الوصي من مال المحجور عليه بقوله وَ أَنْفِقُوا مِمّٰا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فجعله مالكا للإنفاق من حقيقة إلهية فيه في مال هو ملك لحقيقة أخرى فيه هو وليها من حيث الحقيقة الإلهية جعلنا اللّٰه من العارفين العلماء و بما أودع فيه من قرة أعين

(وصل في فصل قول المال أنواع العطاء)

[أنواع العطاء التي يتصف بها الحق و العبد]

اعلم أن المال يقبل أنواع العطاء و هو ثمانية أنواع لها ثمانية أسماء فنوع يسمى الإنعام و نوع يسمى الهبة و نوع يسمى الصدقة و نوع يسمى الكرم و نوع يسمى الهدية و نوع يسمى لجود و نوع يسمى السخاء و نوع يسمى الإيثار و هذه الأنواع كلها يعطى بها الإنسان و يعطى بسبعة منها الحق تعالى و هي ما عدا الإيثار

[من أي حقيقة ظهر الإيثار في الكون]

فإن قال أجنبي فمن أي حقيقة إلهية ظهر الإيثار في الكون و هو لا يعطي على جهة الإيثار لأنه غني عن الحاجة و الإيثار إعطاء ما أنت محتاج إليه إما في الحال و إما بالمال و هو أن تعطي مع حصول التوهم في النفس أنك محتاج إليه فتعطيه مع هذا التوهم فيكون عطاؤك إيثارا و هذا في حق الحق محال فقد ظهر في الوجود أمر لا ترتبط به حقيقة إلهية

[الذات و المرتبة و الصورة التي هي الخلافة]

فنقول قد قدمنا أن الغني المطلق إنما هو للحق من حيث ذاته معرى عن نسبة العالم إليه فإذا نسبت العالم إليه لم تعتبر الذات فلم تعتبر الغني و إنما اعتبرت كونها إلها فاعتبرت المرتبة فالذي ينبغي للمرتبة هو ما تسمت به من الأسماء و هي الصورة الإلهية لا الذات من حيث عينها بل من كونها إلها ثم إنه أعطاك الصورة التي هي الخلافة و سماك بالأسماء كلها على طريق المحمدة فقد أعطاك ما هي المرتبة موقوفة نسبتها إليه و هي الأسماء الحسنى

[الإيثار إعطاء ما أنت محتاج إليه]

فإن قلت فإن المعطي لا يبقى عنده ما أعطاه قلنا هذا يرجع إلى حقيقة المعطي ما هو فإن كان محسوسا فإن المعطي يفقده بالإعطاء و إن كان معنى فإنه لا يفقده بالإعطاء و لهذا حددنا الإيثار بإعطاء ما أنت محتاج إليه و لم نتعرض لفقد المعطي و لا لبقائه فإن ذلك راجع إلى حقيقة الأمر الذي أعطيت ما هو فاعلم ذلك فمن هذه الحقيقة صدر الإيثار في العالم و ما بعد هذا البيان بيان

[تفسير أنواع العطاء الثمانية]

فالإنعام إعطاء ما هو نعمة في حق المعطي إياه مما يلائم مزاجه و يوافق غرضه و الهبة الإعطاء لينعم خاصة و الهدية الإعطاء لاستجلاب المحبة فإنها عن محبة و لهذا قال الشارع تهادوا تحابوا و الصدقة إعطاء من شدة و قهر و إباية فأما في الإنسان لكونه جبل على الشح ف‌ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ و إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً فإذا أعطى بهذه المثابة لا يكون عطاؤه لا عن قهر منه لما جبلت النفس عليه

[معرفة الرب عن طريق الشرع]

و في حق الحق هذه النسبة حقيقة ما ورد من التردد الإلهي في قبضه نسمة المؤمن و لا بد له من اللقاء يريد قبض روحه مع التردد لما سبق في العلم من ذلك فهو في حق الحق كأنه و في حق العبد هو لا كأنه أدبا إلهيا و دليل العقل يرمي مثل هذا

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 585
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست