ثوبيه صدقة عليه فانتهره رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و قال خذ ثوبك و لم يقبل صدقته فإذا علم من نفسه أنه لا يسأل و لا يتعرض فحينئذ له أن يخرج عن ماله كله و لكن بميزان الأفضلية إن كان عالما إذا لم يكن له كشف فإن كان صاحب كشف عمل بحسب كشفه و لقد خرج أبو داود ما يناسب ما ذكرناه من
حديث عمر بن الخطاب قال أمرنا رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم يوما أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي و قلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما أبقيت لأهلك قلت مثله قال و أتى أبو بكر بكل ما عنده فقال ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم اللّٰه و رسوله قلت لا أسابقك إلى شيء أبدا
[معاملة النفس على حسب الشرع الحاكم عليها]
فينبغي للعالم بنفسه أن يعامل نفسه بما يعامله به الشرع الحاكم عليه و لا ينظر المريد لما يخطر له في الوقت فيكون تحت حكم خاطره فيكون خطأه أكثر من إصابته و هنا يتميز العاقل العالم من الجاهل و لكن هذا كله لمن لا كشف له من أهل اللّٰه و قد سكت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم عن أبي بكر لما أتاه بماله كله لمعرفته بحاله و مقامه و ما قال له هلا أمسكت لا هلك شيئا من مالك و أثنى على عمر بذلك بحضرة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و لم ينكره عليه و
قال لكعب بن مالك في هذا الحديث أمسك بعض مالك و كان كعب بن مالك قد انخلع من ماله كله صدقة لخاطر خطر له فلم يعامله رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بخاطره و عامله بما يقتضيه حاله فقال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك
(وصل في فصل ما ينظره العارف في فضل اللّٰه و عدله و مكر اللّٰه تعالى)
[العارفون ينظرون أبدا في أحوال نفوسهم]
إن من مكر اللّٰه و عدله و فضله أن يبين للناس ما فيه مصلحتهم هذا من فضله و أما عدله و مكره هو أن يعاملهم بصفاتهم فالعارفون في مثل هذا المقام ينظرون في أحوال أنفسهم و فيما يؤتيهم اللّٰه في بواطنهم و ظواهرهم و يزنون ذلك بالميزان الذي وضعه الرحمن ليقيم الوزن بالقسط و لا يخسر الميزان : فإن اعتدلت الكفتان فذلك العلم الصحيح و إن ترجحت كفة العطاء على كفة الحال فلينظر في الحال فإن كان مما يحمده الشرع فذلك إما جزاء معجل و إما زيادة فضل و إن كان الحال مما يذمه لسان الشرع فذلك مكر من اللّٰه و إن كان الحال مما لا يذم و لا يحمد فذلك عدل من اللّٰه يؤول إما إلى فضل إن شكر اللّٰه و عمل بطاعته في المستأنف بتلك الأعطية أو يؤول إلى مكر خفي إن عمل فيه بمعصية اللّٰه فإن ألهم الاستغفار و التوبة أو أن ذلك مكر إلهي فلا يخلو إما أن يتدارك الأمر أو يبقى على حاله فإن بقي على حاله فهو مكر في مكر و إن تدارك الأمر فذلك من فضل اللّٰه و زال عنه حكم المكر في هذه الحال
[اليد العليا خير من اليد السفلى من المكر و الفضل]
فمن مكر اللّٰه و فضله اليد العليا خير من اليد السفلي فإن الصدقة تقع بيد الرحمن ففيه مكر و فضل فإنه
قد ورد أنها تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل و
قد ذكر البخاري عن حكيم بن حزام فيما نبهنا عليه أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم قال اليد العليا خير من اليد السفلي و ابدأ بمن تعول و خير الصدقة عن ظهر غنى و من يستعفف يعفه اللّٰه و من يستغن يغنه اللّٰه فهذا الحديث يتضمن تفصيل ما ذكرناه من الأحوال
[أعلى الغني الغني بالله]
و أعلى الغني الغني بالله و الاستعفاف هنا القناعة بالقليل فإن العفو يرد في اللسان و يراد به القليل و هو من الأضداد و الصدقة عن ظهر غنى هي الصدقة و الدعاء عن ظهر فقر هو الدعاء المجاب بلا شك و أين الداعي عن ظهر فقر و المعطي عن ظهر غنى
(وصل في فصل حاجة النفس إلى العلم)
[العلم الشرعي و الإلهي و الأخروى]
اعلم أن حاجة النفس إلى العلم أعظم من حاجة المزاج إلى القوت الذي يصلحه و العلم علمان علم يحتاج منه مثل ما يحتاج من القوت فينبغي الاقتصاد فيه و الاقتصار على قدر الحاجة و هو علم الأحكام الشرعية لا ينظر منها إلا قدر ما تمس الحاجة إليه في الوقت فإن تعلق حكمها إنما هو بالأفعال الواقعة في الدنيا فلا تأخذ منه إلا قدر عملك و العلم الآخر هو ما لا حد له يوقف عنده و هو العلم المتعلق بالله و مواطن القيامة فإن العلم بمواطن القيامة يؤدي العالم بها إلى الاستعداد لكل موطن بما يليق به لأن الحق بنفسه هو المطالب في ذلك اليوم بارتفاع الحجب و هو يوم الفصل فينبغي للإنسان العاقل أن يكون على بصيرة من أمره معدا للجواب عن نفسه و عن غيره في المواطن التي يعلم أنه يطلب منه الجواب فيها و لهذا ألحقناه بالعلم بالله
[ينبغي لطالب العلم أن لا يسأل في المسئول إلا اللّٰه]
و ينبغي لطالب العلم أن لا يسأل في المسئول إلا اللّٰه لا عين المسئول هكذا ينبغي