responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 550

اللّٰه

[الزكاة النفوس]

و زكاة النفوس بوجه أبينه لك إن شاء اللّٰه أيضا على الأصل الذي ذكرناه أن الزكاة حق اللّٰه في المال و النفس ما هو حق لرب المال و النفس فنظرنا في النفس ما هو لها فلا تكليف عليها فيه بزكاة و ما هو حق اللّٰه فتلك الزكاة فيعطيه لله من هذه النفس لتكون من المفلحين بقوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا و مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

[النفس من حيث عينها ممكنة لذاتها]

فإذا نظرنا إلى عين النفس من حيث عينها قلنا ممكنة لذاتها لا زكاة عليها في ذلك فإن اللّٰه لا حق له في الإمكان يتعالى اللّٰه علوا كبيرا فإنه تعالى واجب الوجود لذاته غير ممكن بوجه من الوجوه و وجدنا هذه النفس قد اتصفت بالوجود قلنا هذا الوجود الذي اتصفت به النفس هل اتصفت به لذاتها أم لا فرأينا إن وجودها ما هو عين ذاتها و لا اتصفت به لذاتها فنظرنا لمن هو فوجدناه لله كما وجدنا القدر المعين في مال زيد المسمى زكاة ليس هو بمال لزيد و إنما هو أمانة عنده

[وجود النفس من اللّٰه و لله]

كذلك الوجود الذي اتصفت به النفس ما هو لها إنما هو لله الذي أوجدها فالوجود لله لا لها و وجود اللّٰه لا وجودها فقلنا لهذه النفس هذا الوجود الذي أنت متصفة به ما هو لك و إنما هو لله خلعه عليك فأخرجه لله و أضفه إلى صاحبه و أبق أنت على إمكانك لا تبرح فيه فإنه لا ينقصك شيء مما هو لك و أنت إذا فعلت هذا كان لك من الثواب عند اللّٰه ثواب العلماء بالله و نلت منزلة لا يقدر قدرها إلا اللّٰه و هو الفلاح الذي هو البقاء فيبقى اللّٰه هذا الوجود لك لا يأخذه منك أبدا

[الوجود و الإيجاد و البقاء و الإبقاء]

فهذا معنى قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا أي قد أبقاها موجودة من زكاها وجود فوز من الشر أي من علم إن وجوده لله أبقى اللّٰه عليه هذه الخلعة يتزين بها منعما دائما و هو بقاء خاص ببقاء اللّٰه فإن الخائب الذي دساها هو أيضا باق و لكن بإبقاء اللّٰه لا ببقاء اللّٰه فإن المشرك الذي هو من أهل النار ما يرى تخليص وجوده لله تعالى من أجل الشريك و كذلك المعطل و إنما قلنا ذلك لئلا يتخيل من لا علم له أن المشرك و المعطل قد أبقى اللّٰه الوجود عليهما فبينا أن إبقاء الوجود على المفلحين ليس على وجه إبقائه على أهل النار و لهذا وصف اللّٰه أهل النار بأنهم لا يموتون فيها و لا يحيون بخلاف صفة أهل السعادة فإنهم في الحياة الدائمة و كم بين من هو باق ببقاء اللّٰه و موجود بوجود اللّٰه و بين من هو باق بإبقاء اللّٰه و موجود بالإيجاد لا بالوجود و بهذا فاز العارفون لأنهم عرفوا من هو المستحق لنعت الوجود و هو الذي استفادوه من الحق فهذا معنى قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا

[وجوب الزكاة في النفوس كوجوبها في الأموال]

فوجبت الزكاة في النفوس كما وجبت في الأموال و وقع فيها البيع و الشراء كما وقع في الأموال و سيرد طرف من هذا الفصل عند ذكرنا في هذا الباب في الرقيق و ما حكمه و لما ذا لم تلحق النفس بالرقيق فتسقط فيه الزكاة و إن كان الرقيق يلحق بالأموال من جهة ما كما سنذكره إن شاء اللّٰه في داخل هذا الباب كما سأذكر أيضا فيما تجب فيه الزكاة من الإنسان بعدد ما تجب فيه من أصناف المال في فصله إن شاء اللّٰه من هذا الباب

(وصل) [فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى]

و أما قوله تعالى فَلاٰ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ أي أن اللّٰه لا يقبل زكاة نفس من أضاف نفسه إليه فإنه قال فَلاٰ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ فأضافها إليكم أي إذا رأيتم أن أنفسكم لكم لا لي و الزكاة إنما هي حقي و أنتم أمناء عليها فإذا دعيتم فيها فتزعمون أنكم أعطيتموني ما هو لكم و إني سألتكم ما ليس لي و الأمر على خلاف ذلك فمن كان بهذه المثابة من العطاء فلا يزكي نفسه فإني ما طلبت إلا ما هو لي لا لكم حتى تلقوني فينكشف الغطاء في الدار الآخرة فتعلمون في ذلك الوقت هل كانت نفوسكم التي أوجبت الزكاة فيها لي أو لكم حيث لا ينفعكم علمكم بذلك و لهذا قال فَلاٰ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ فأضاف النفوس إليكم و هي له

[نفس عيسى من جهة هي له و من جهة هي لله]

أ لا ترى عيسى عليه السلام كيف أضاف نفسه إليه من وجه ما هي له و أضافها إلى اللّٰه من وجه ما هي لله فقال تَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِي وَ لاٰ أَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِكَ فأضافها إلى اللّٰه أي نفسي هو نفسك و ملكك فإنك اشتريتها و ما هي في ملكي فأنت أعلم بما جعلت فيها و أضاف نفسه إليه فإنها من حيث عينها هي له و من حيث وجودها هي لله لا له فقال تَعْلَمُ مٰا فِي نَفْسِي من حيث عينها و لا أعلم ما في نفسك من حيث وجودها و هو من حيث ما هي لك و النفس

[النفس واحدة الذات متعددة النسب و الإضافات]

و إن كانت واحدة اختلفت الإضافات لاختلاف النسب فلا بعارض قوله فَلاٰ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ما ذكرناه من قوله قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا فإن أنفسكم هنا يعني أمثالكم

قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لا أزكي على اللّٰه أحدا و سيرد الكلام إن شاء اللّٰه في هذا الباب في وجوب الزكاة و على من تجب و فيما تجب فيه و في كم تجب و من كم تجب و متى تجب و متى لا تجب و لمن تجب و كم يجب له من تجب له باعتبارات ذلك كله في الباطن بعد أن نقررها في الظاهر بلسان الحكم المشروع كما فعلنا في الصلاة لنجمع بين الظاهر و الباطن لكمال النشأة

[الاعتبار في الجمع بين الظاهر و الباطن]

فإنه ما يظهر في العالم صورة من أحد من

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 550
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست