responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 547

الأمر بالفرض كما ورد بإعطاء الزكاة و الفرق بينهما أن الزكاة موقنة بالزمان و النصاب و بالأصناف الذين تدفع إليهم و القرض ليس كذلك و قد تدخل الزكاة هنا في الفرض فكأنه يقول وَ آتُوا الزَّكٰاةَ قرضا لله بها فيضاعفها لكم مثل

قوله تعالى في الخبر الصحيح جعت فلم تطعمني فقال له العبد و كيف تطعم و أنت رب العالمين فقال اللّٰه له إن فلانا استطعمتك فلم تطعمه أما أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي و الخبر مشهور صحيح فالقرض الذي لا يدخل في الزكاة غير موقت لا في نفسه و لا في الزمان و لا بصنف من الأصناف

[الزكاة المشروعة و الصدقة]

و الزكاة المشروعة و الصدقة لفظتان بمعنى واحد قال تعالى خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا و قال تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ فسماها صدقة فالواجب منها يسمى زكاة و صدقة و غير الواجب فيها يسمى صدقة التطوع و لا يسمى زكاة شرعا أي لم يطلق الشرع عليه هذه اللفظة مع وجود المعنى فيها من النمو و البركة و التطهير

في الخبر الصحيح أن الأعرابي لما ذكر للنبي صلى اللّٰه عليه و سلم أن رسوله زعم أن علينا صدقة في أموالنا و قال له صلى اللّٰه عليه و سلم صدق فقال له الأعرابي هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع فلهذا سميت صدقة التطوع يقول إن اللّٰه لم يوجبها عليكم فمن تطوع خيرا فهو خير له و لهذا قال تعالى بعد قوله وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّٰهِ

[النفس مجبولة على حب المال و جمعه]

و إن كان الخير كل فعل مقرب إلى اللّٰه من صدقة و غيرها و لكن مع هذا فقد انطلق على المال خصوصا اسم الخير قال تعالى وَ إِذٰا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً أي جبل على ذلك يؤيده وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فالنفس مجبولة على حب المال و جمعه قال تعالى وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ يعني المال هنا فجعل الكرم فيه تخلقا لا خلقا و لهذا سماها صدقة أي كلفة شديدة على النفس لخروجها عن طبعها في ذلك و لهذا آنسها الحق تعالى

بقول نبيه للأنفس إن الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله

[الصدقة تقع بيد الرحمن فيربيها]

و ذلك لأمرين أحدهما ليكون السائل يأخذها من يد الرحمن لا من يد المتصدق

فإن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم يقول إنها تقع بيد الرحمن قبل أن تقع بيد السائل فتكون المنة لله على السائل لا للمتصدق فإن اللّٰه طلب منه القرض و السائل ترجمان الحق في طلب هذا القرض فلا يخجل السائل إذا كان مؤمنا من المتصدق و لا يرى أن له فضلا عليه فإن المتصدق إنما أعطى لله للقرض الذي سأل منه و ليربيها له فهذا من الغيرة الإلهية و الفضل الإلهي و الأمر الآخر ليعلمه أنها مودعة في موضع تربو له فيه و تزيد هذا كله ليسخو بإخراجها و يتقي شح نفسه

[في جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة]

و في جبلة الإنسان طلب الأرباح في التجارة و نمو المال

فلهذا جاء الخبر بأن اللّٰه يربي الصدقات ليكون العبد في إخراج المال من الحرص عليه الطبيعي لأجل المعاوضة و الزيادة و البركة بكونه زكاة كما هو في جمع المال و شح النفس من الحرص عليه الطبيعي فرفق اللّٰه به حيث لم يخرجه عما جبله اللّٰه عليه فيرى التاجر يسافر إلى الأماكن القاصية الخطرة المتلفة للنفوس و الأموال و يبذل الأموال و يعطيها رجاء في الأرباح و الزيادة و نمو المال و هو مسرور النفس بذلك فطلب اللّٰه منه المقارضة بالكل إذ قد علم منه أنه يقارض بالثلثين و بالنصف و يكون فرحه بمن يقارضه بالكل أتم و أعظم

[البخل بالصدقة دليل على قلة الايمان]

فالبخيل بالصدقة بعد هذا التعريف الإلهي و ما تعطيه جبلة النفوس من تضاعف الأموال دليل على قلة الايمان عند هذا البخيل بما ذكرناه إذ لو كان مؤمنا على يقين من ربه مصدقا له فيما أخبر به عن نفسه في قرض عبده و تجارته لسارع بالطبع إلى ذلك كما يسارع به في الدنيا مع أشكاله عاجلا و آجلا فإن العبد إذا قارض إنسانا بالنصف أو بالثلث و سافر المقارض إلى بلد آخر و غاب سنين و هو في باب الاحتمال أن يسلم المال أو يهلك أو لا يربح شيئا و إذا هلك المال لم يستحق في ذمة المقارض شيئا و مع هذه المحتملات يعمى الإنسان و يعطي ماله و ينتظر ما لا يقطع بحصوله و هو طيب النفس مع وجود الأجل و التأخير و الاحتمال فإذا قيل له أقرض اللّٰه و تأخذ في الآخرة أضعافا مضاعفة بلا ثلث و لا نصف بل الربح و رأس المال كله لك و ما تصبر إلا قليلا و أنت قاطع بحصول ذلك كما تأبى النفس و ما تعطي إلا قليلا فهل ذلك إلا من عدم حكم الايمان على الإنسان في نفسه حيث لا يسخو بما تعطيه جبلته من السخاء به و يقارض زيدا و عمرا كما ذكرناه طيب النفس و الموت أقرب إليه من شراك نعله كما كان يقول بلال

كل امرئ مصبح في أهله و الموت أدنى من شراك نعله

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 547
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست