responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 543

و ينسى نفسه و قد قال له ربه ابدأ بنفسك و شرع له ذلك حتى في الدعاء إذا دعا اللّٰه لأحد أن يبدأ بنفسه أحق و غذاء الأرواح الطاعات فهي محتاجة إليها و من جملة طاعاتها الأمر بالطاعات فيقوم هذا الغافل القليل الحياء من اللّٰه فيأمر غيره بالبر و هو على الفجور و ينسى نفسه فلا يأمرها بذلك فهو بمنزلة من يغذى غيره و يترك نفسه و هو في غاية الحاجة إلى ذلك الغذاء و نفسه أوجب عليه من ذلك الغير و السبب في ذلك ما أبينه لك إن شاء اللّٰه

(وصل)و ذلك أن جميع
الخيرات صدقة على النفوس

أي خير كان حسا و معنى فينبغي للمؤمن أن يتصرف في ذلك بشرع ربه لا بهواه فإنه عبد مأمور تحت أمر سيده فإن تعدى شرع ربه في ذلك لم يبق له تصرف إلا هوى نفسه فسقط عن تلك الدرجة العلية إلى ما هو دونها عند العامة من المؤمنين و أما عند العارفين فهو عاص

[أول محتاج للصدقة هي نفس العبد]

فإذا خرج الإنسان بصدقته فأول محتاج يلقاه نفسه قبل كل نفسه محتاجة و هو إنما أخرج الصدقة للمحتاجين فإن تعدى أول محتاج فذلك لهواه لا لله فإن اللّٰه قال له ابدأ بنفسك و هي أول من يلقاه من أهل الحاجة و قد شرع له في الإحسان أن يبدأ بالجار الأقرب فالأقرب فإن رجح إلا بعد في الجيران على الأقرب مع التساوي في الحاجة فقد اتبع هواه و ما وقف عند حد ربه و هذا سار في جميع أفعال البر و سبب ذلك الغفلة عن اللّٰه تعالى فأمر بالصفة التي تحضره مع اللّٰه و هي الصلاة

(وصل) [تأثير الصلاة بالحال]

و من تأثير الصلاة بالحال قول اللّٰه للمؤمنين فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لاٰ تَكْفُرُونِ فأمرهم بالذكر و الشكر أمرهم أن يستعينوا على ذلك بالصبر و الصلاة و أخبرهم إِنَّ اللّٰهَ مَعَ الصّٰابِرِينَ عليها و على كل مشقة ترضي اللّٰه مما كلف عباده بها لأن الصبر من المقامات المشروطة بالمشقات و المكاره و الشدائد المعنوية و الحسية و جعل الصبر هنا لما ذكرناه و للتطابق في قوله وَ اشْكُرُوا لِي وَ لاٰ تَكْفُرُونِ و الشكر من المقامات المشروطة بالنعماء و المحبة ليس للبلاء في الشكر دخول و لا للصبر في النعم دخول كما يراه من لا معرفة له بحقائق الأمور

[الصبر على الصلاة مؤثر في الذكر و الشكر]

فالصلاة هنا و الصبر عليها و هو الدوام و الثبات و حبس النفس عليها مؤثرة في الذكر و الشكر فالصبر هنا هو قوله وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاٰةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهٰا فلذلك ذكر الصبر مع الصلاة فكما يؤثر الصبر على الذكر و الشكر في الذكر و الشكر كذلك يؤثر في الصلاة سواء و تؤثر الصلاة من حيث الصبر عليها في الذكر و الشكر و من حيث هي صلاة و ذلك أن الصلاة مناجاة بين اللّٰه و بين عبده فإذا ناجى العبد ربه فأولى ما يناجيه به من الكلام كلامه الذي شرع له أن يناجيه به و هو قراءة القرآن في أحوال الصلاة من قيام و هو قراءة الفاتحة و ما تيسر معها من كلامه و من ركوع و هو قوله تعالى فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ في ركوعه فهو ذاكر ربه في صلاته بكلامه المنزل و كذلك في سجوده يقول سبحان ربي الأعلى فإنه

لما نزل قوله سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم اجعلوها في سجودكم

[الفاتحة تجمع بين الذكر و الشكر]

فأمرنا اللّٰه بذكره و شكره و الفاتحة تجمع الذكر و الشكر و هي التي يقرأها المصلي في قيامه فالشكر فيها قوله اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و هو عين الذكر بالشكر إلى كل ذكر فيها و في سائر الصلاة فذكر اللّٰه في حال الصلاة و شكره أعظم و أفضل من ذكره سبحانه و شكره في غير الصلاة فإن الصلاة خير موضوع العبادات و قد أثرت هذه الصلاة في الذكر هذا الفضل و هو يعود على الذاكر

[الذكر الوارد في القرآن]

و ينبغي لكل من أراد أن يذكر اللّٰه تعالى و يشكره باللسان و العمل أن يكون مصليا و ذاكرا بكل ذكر نزل في القرآن لا في غيره و ينوي بذلك الذكر و الدعاء الذي في القرآن ليخرج عن العهدة فإنه من ذكره بكلامه فقد خرج عن العهدة فيما ينسب في ذلك الذكر إلى اللّٰه و ليكون في حال ذكره تاليا لكلامه فيقول من التسبيحات ما في القرآن و من التحميدات ما في القرآن و من الأدعية ما في القرآن فتقع المطابقة بين ذكر العبد بالقرآن لأنه كلام اللّٰه و بين ذكر اللّٰه إياه في قوله أذكركم فيذكر اللّٰه الذاكر له أيضا و ذكره كلامه فتكون المناسبة بين الذكرين فإذا ذكره بذكر يخترعه لم تكن تلك المناسبة بين كلام اللّٰه في ذكره للعبد و بين ذكر العبد فإن العبد هنا ما ذكره بما جاء في القرآن و لا نواه و إن صادفه باللفظ و لكن هو غير مقصود ثم إن هذا الذكر بالقرآن جاء في الصلاة فالتحقق بالأذكار الواجبة و الأذكار الواجبة عند اللّٰه أفضل فإن العبد مأمور بقراءة الفاتحة في الصلاة و لهذا أوجبها من أوجبها من العلماء و كذلك العبد مأمور بالتسبيح في الركوع و السجود بما نزل في القرآن و هو قوله صلى اللّٰه عليه و سلم اجعلوها في ركوعكم و اجعلوها في سجودكم فأمر و المصلي مأمور

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 543
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست