responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 425

و ما بقي منها مخلص للعبد و هذه التي نحن فيها مشتركة و إنما وحده و لم يجمعه لأن المعبود واحد و جمع نفسه بنون الجمع في العبادة و العون المطلوب لأن العابدين من العبد كثيرون و كل واحد من العابدين يطلب العون و المقصود بالعبادات واحد فعلى العين عبادة و على السمع و البصر و اللسان و اليد و البطن و الفرج و الرجل و القلب فلهذا قال نَعْبُدُ و نَسْتَعِينُ بالنون و إن العالم نظر إلى تفاصيل عالمه و إن الصلاة قد عم حكمها جميع حالاته ظاهرا و باطنا لم ينفرد بذلك جزء عن آخر فإنه يقف بكله و يركع بكله و يجلس بكله فجميع عالمه قد اجتمع على عبادة ربه و طلب المعونة منه على عبادته فجاء بنون الجماعة في نعبد و نستعين فترجم اللسان عن الجماعة كما يتكلم الواحد عن الوفد بحضورهم بين يدي الملك فعلم العبد من الحق لما أنزل عليه هذه الآية بإفراده نفسه أن لا يعبد إلا إياه و لما قيد العبد بالنون أنه يريد منه أن يعبده بكله ظاهرا و باطنا من قوى و جوارح و يستعين على ذلك الحد و متى لم يكن المصلي بهذه المثابة من جمع عالمه على عبادة ربه كان كاذبا في قراءته إذا قال إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فإن اللّٰه ينظر إليه فيراه متلفتا في صلاته أو مشغولا بخاطره في دكانه أو تجارته و هو مع هذا يقول نَعْبُدُ و يكذب فيقول اللّٰه له كذبت في كنايتك بجمعيتك على عبادتي أ لم تلتفت ببصرك إلى غير قبلتك أ لم تصغ بسمعك إلى حديث الحاضرين أ لم تعقل بقلبك ما تحدثوا به فأين صدقك في قولك نَعْبُدُ بنون الجمع فيحضر العارف هذا كله في خاطره فيستحيي أن يقول في مناجاته في صلاته إِيّٰاكَ نَعْبُدُ لئلا يقال له كذبت فلا بد أن يجتمع من هذه حالته على عبادة ربه حتى يقول له الحق صدقت إذا تلا في جمعيتك علي في عبادتك إياي و طلب معونتي

[المراد بتلاوة القرآن التدبر لمعاني القرآن]

روينا في هذا الباب على ما حدثنا به شيخنا المقري أبو بكر محمد بن خلف بن صاف اللخمي عن بعض المعلمين من الصالحين أن شخصا صبيا صغيرا كان يقرأ عليه القرآن فرآه مصفر اللون فسأله عن حاله فقيل له إنه يقوم الليل بالقرآن كله فقال له يا ولدي أخبرت أنك تقوم الليل بالقرآن كله فقال هو ما قيل لك فقال يا ولدي إذا كان في هذه الليلة فأحضرني في قبلتك و اقرأ على القرآن في صلاتك و لا تغفل عني فقال الشاب نعم فلما أصبح قال له هل فعلت ما أمرتك به قال نعم يا أستاذ قال و هل ختمت القرآن البارحة قال لا ما قدرت على أكثر من نصف القرآن قال يا ولدي هذا حسن إذا كان في هذه الليلة فاجعل من شئت من أصحاب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أمامك الذين سمعوا القرآن من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و اقرأ عليه و احذر فإنهم سمعوه من رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فلا تزل في تلاوتك فقال إن شاء اللّٰه يا أستاذ كذلك افعل فلما أصبح سأله الأستاذ عن ليلته فقال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من ربع القرآن فقال يا ولدي اتل هذه الليلة على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم الذي أنزل عليه القرآن و اعرف بين يدي من تتلوه فقال نعم فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت طول ليلتي على أكثر من جزء من القرآن أو ما يقاربه فقال يا ولدي إذا كان هذه الليلة فلتكن تقرأ القرآن بين يدي جبريل الذي نزل به على قلب محمد صلى اللّٰه عليه و سلم فاحذر و اعرف قدر من تقرأ عليه فلما أصبح قال يا أستاذ ما قدرت على أكثر من كذا و ذكر آيات قليلة من القرآن قال يا ولدي إذا كان هذه الليلة تب إلى اللّٰه و تأهب و اعلم أن المصلي يناجي ربه و إنك واقف بين يديه تتلو عليه كلامه فانظر حظك من القرآن و حظه و تدبر ما تقرأه فليس المراد جمع الحروف و لا تأليفها و لا حكاية الأقوال و إنما المراد بالقراءة التدبير لمعاني ما تتلوه فلا تكن جاهلا فلما أصبح انتظر الأستاذ الشاب فلم يجيء إليه فبعث من يسأل عن شأنه فقيل له إنه أصبح مريضا يعاد فجاء إليه الأستاذ فلما أبصره الشاب بكى و قال يا أستاذ جزاك اللّٰه عني خيرا ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما قمت في مصلاي و أحضرت الحق تعالى و أنا بين يديه أتلو عليه كتابه فلما استفتحت الفاتحة و وصلت إلى قوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ نظرت إلى نفسي فلم أرها تصدق في قولها فاستحييت أن أقول بين يديه إِيّٰاكَ نَعْبُدُ و هو يعلم أني أكذب في مقالتي فإني رأيت نفسي لاهية بخواطرها عن عبادته فبقيت أردد القراءة من أول الفاتحة إلى قوله ملك (مٰالِكِ)يَوْمِ الدِّينِ و لا أقدر أن أقول إِيّٰاكَ نَعْبُدُ إنه ما خلصت لي فبقيت أستحيي أن أكذب بين يديه تعالى فيمقتني فما ركعت حتى طلع الفجر و قد رضت كبدي و ما أنا إلا راحل إليه على حالة لا أرضاها من نفسي فما انقضت ثالثة حتى مات الشاب فلما دفن أتى الأستاذ إلى قبره فسأله عن حاله فسمع صوت الشاب من قبره و هو يقول له يا أستاذ

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 425
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست